صفحة جزء
[ ص: 61 ]

ويا ذا القدرة القديمة الباهرة ، والقوة العظيمة القاهرة ، ويا سلطان الدنيا والآخرة ، وجامع الإنس والجان .


قوله : " ويا ذا القدرة القديمة الباهرة ، والقوة العظيمة القاهرة ، ويا سلطان الدنيا والآخرة ، وجامع الإنس والجان " .

لما كان المرغوب فيه إلى الله سبحانه وتعالى هاهنا هو التوفيق والتسديد للتحقيق ، والعصمة من الزلل ، والحراسة من الخلل ، ناسب أن يوصف الله سبحانه وتعالى ، ويثنى عليه بالقدرة ، والقوة والسلطنة العامة ، التي يتحقق بها المرغوب المذكور .

والقدرة : صفة قائمة بالذات يتحقق بها اختراع الموجودات ، والقديمة : التي لا مبدأ لها في الزمان ، بل قارن وجودها وجود الذات ، والباهرة : الغالبة ، أي : غلبت قدرته سبحانه وتعالى كل مقدور حتى انقاد لها وهو ذليل مقهور ، يقال : بهر القمر : إذا أضاء وغلب ضوؤه ضوء الكواكب ، وبهر فلان فلانا : إذا غلبه ، وبهرت فلانة النساء : غلبتهن حسنا ، وبهره الحمل : غلبه حتى تتابع نفسه ، وهو اللهث .

والقوة : صفة أثبتها الله سبحانه وتعالى لنفسه بقوله : إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [ الذاريات : 58 ] وكان الله قويا عزيزا [ الأحزاب : 25 ] .

وهي في التحقيق والأمر العام : معنى يتحقق به قهر الأضداد ، وفعل ما يستصعب في عرف المخلوقين ، يقال : فلان قوي على قمع عدوه ، وعلى رفع الحمل الثقيل ، وحكى الله سبحانه وتعالى عن أصحاب بلقيس أنهم قالوا : نحن أولو قوة وأولو بأس [ ص: 62 ] شديد [ النمل : 33 ] ، والله سبحانه وتعالى لا يغالبه عدو أو مضاد إلا قهره وقمعه ، ولا يريد فعل شيء - وإن استصعبه المخلوقون - إلا هان عليه ، وكيف لا يهون وهو إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون ، غير أن قوة الله سبحانه وتعالى وتأثيرها ليست كقوة المخلوقين وتأثيرها ، لأن المخلوق إنما تؤثر قوته بواسطة العلاج ، والله سبحانه وتعالى منزه عن العلاج والمزاج ، كما قال ذو النون المصري : موجود بلا مزاج ، فعال بلا علاج .

والسلطان : الوالي ، وجمعه : سلاطين ، وهو فعلان من السلاطة ، وهي القهر ، وقد سلطه الله فتسلط .

قوله : " جامع الإنس والجان " مأخوذ من قوله تعالى : ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه [ آل عمران : 9 ] ، وقوله تعالى : فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت [ آل عمران : 25 ] ، وقوله : كل نفس ، أعم من الجن والإنس ، ثم قد صرح بجمع الجن والإنس في قوله تعالى : ويوم يحشرهم جميعا يامعشر الجن قد استكثرتم من الإنس [ الأنعام : 128 ] ، وقوله تعالى : قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار [ الأعراف : 38 ] ، وقوله تعالى : سنفرغ لكم أيها الثقلان [ الرحمن : 31 ] إلى قوله تعالى : يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض الآيات [ الرحمن : 33 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية