صفحة جزء
[ ص: 367 ]

المثبت : لا مانع إلا اتحاد المتعلقين إجماعا ، ولا اتحاد ، إذ الصلاة من حيث هي صلاة مأمور بها ، والغصب من حيث هو غصب منهي عنه ، وكل منهما معقول بدون الآخر ، وجمع المكلف لهما لا يخرجهما عن حكمهما منفردين .

وأيضا ، طاعة العبد وعصيانه ، بخياطة ثوب أمر بخياطته ، في مكان نهي عن دخوله ، يدل عليه . ولو مرق سهمه من كافر إلى مسلم فقتله ، ضمن قصاصا أو دية ، واستحق سلب الكافر .


- قوله : " المثبت " أي : هذه حجة المثبت ، لصحة الصلاة في المكان المغصوب . وتقريرها أنه " لا مانع " من الصحة " إلا اتحاد المتعلقين " يعني متعلق الأمر والنهي " إجماعا " أي : لا مانع إلا اتحاد المتعلقين بالإجماع ، " ولا اتحاد " أي : ليس متعلق الأمر والنهي متحدا ، فلا مانع حينئذ من الصحة ، وبيان أن متعلقهما غير متحد هو أن " الصلاة من حيث هي صلاة - أي مع قطع النظر عما يلحقها من مكان وغيره - مأمور بها ، والغصب من حيث هو غصب - أي مع قطع النظر عما يلابسه من أفعال الصلاة وغيرها - منهي عنه " ، وكل من الصلاة والغصب معقول بدون الآخر ، ويمكن وجود أحدهما بدون الآخر ، كمن صلى ولم يغصب ، أو غصب ولم يصل ، " وجمع المكلف لهما " بالصلاة في الموضع المغصوب لا يخرجهما عن حكمهما منفردين - أي : في حال انفرادهما ، وهو الأمر بالصلاة ، وكونها طاعة ، والنهي عن الغصب ، وكونه معصية - وحينئذ يجب أن يثبت لهما مجتمعين ما يثبت لهما منفردين ، لأن الجمع بينهما لا يقلب حقيقتهما في أنفسهما . [ ص: 368 ]

وقد ظهر لك من تقرير حجة النافي والمثبت صحة المأخذ الذي ذكرناه للمسألة ، وهو أن النافي نظر إلى عين هذه الصلاة ، وأنها مركبة من أفعال منهي عنها ، فحكم ببطلانها ، والمثبت نظر إلى جنس الصلاة وحقيقتها من حيث هي مطلوبة للشرع ، لا من جهة وقوعها في موضع مغصوب ، فتحقق له الجهتان .

قوله : " وأيضا طاعة العبد وعصيانه بخياطة ثوب أمر بخياطته في مكان نهي عن دخوله ، يدل عليه " .

هذه حجة أخرى لمن صحح الصلاة . وقولنا : طاعة العبد مبتدأ ، وعصيانه معطوف عليه ، و " يدل عليه " خبر المبتدأ ، تقديره طاعة العبد وعصيانه في هذه القضية يدل على صحة الصلاة في الموضع المغصوب ، أو يدل على أصل المسألة ، وهو أن الواحد بالشخص يجوز أن يكون موردا للأمر والنهي من جهتين .

وتقرير الحجة المذكورة أن السيد لو قال لعبده : خط هذا الثوب ، ولا تدخل هذه الدار ، فخاط العبد الثوب في الدار المذكورة ، لعد مطيعا لسيده عاصيا له باعتبار الجهتين ، أي : مطيعا له من جهة امتثال أمره بخياطة الثوب ، عاصيا له من جهة ارتكاب نهيه بدخول الدار التي نهاه عن دخولها .

وإذا ثبت هذا في هذه الصورة ، فالصلاة في المواضع المغصوب مثلها سواء ، لأن الله سبحانه وتعالى أمر عبده بالصلاة ونهاه عن الغصب ، وقد جمع بينهما كما جمع العبد الخياط بين خياطة الثوب ودخول الدار .

وأيضا فإن حركة العبد الخياط في الدار التي نهي عن دخولها ، وحركة المصلي [ ص: 369 ] في المكان ليست منهيا عنها لكونها حركات ، إذ لو كانت كذلك ، لكانت حركاتهما منهيا عنها حيث وجدت ، وإنما نهي عنها ، لكونها حركات واقعة في مكان نهي عن دخوله ، وهذا أخص من مجرد كونها حركات ، والنهي عن الأخص لا يستلزم النهي عن الأعم . ويرجع هذا التقرير إلى تحقيق الجهتين كما سبق .

قوله : " ولو مرق سهمه " إلى آخره ، هذا دليل آخر على الصحة .

وتقريره : لو رمى كافرا ، فمرق السهم منه إلى مسلم فقتله ، لوجب عليه ضمان المسلم قصاصا إن كان تعمد قتله بذلك ، أو ديته إن كان لم يتعمد ، أو عفا عنه إلى الدية ، ولاستحق سلب الكافر بشروطه المذكورة في الفقه . وهذا فعل واحد اشتمل على حرام وحلال ، وخسارة وربح ، وهما متقابلان باعتبار الجهتين ، والصلاة المتنازع فيها مثله ، هي فعل واحد اشتمل على حرام وهو الغصب ، وحلال أو واجب وهو الصلاة من حيث هي صلاة باعتبار الجهتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية