صفحة جزء
[ ص: 447 ]

الثاني : الأداء : فعل المأمور به في وقته المقدر له شرعا . والإعادة : فعله فيه ثانيا ، لخلل في الأول . والقضاء : فعله خارج الوقت ، لفواته فيه ، لعذر أو غيره .


قوله : " الثاني " ، أي : الأمر الثاني من الأمور التي هي من لواحق خطاب الوضع ، أو كاللواحق له ، وهو القول في الأداء والإعادة والقضاء ، فالأداء " فعل المأمور به في وقته المقدر له شرعا " كفعل المغرب ما بين غروب الشمس وغروب الشفق ، والفجر ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ، ويدخل في ذلك ما كان مضيقا ، كالصوم ، وموسعا محدودا بوقت كالصلوات ، أو غير محدود ، كالحج ، فإن وقته العمر ، وتحديده بالموت ضروري ليس كتحديد أوقات الصلوات .

وقولنا : " في وقته المقدر له " احتراز مما ربط الأمر بفعله بوجود سببه كإنكار المنكر إذا ظهر ، وإنقاذ غريق إذا وجد ، وكالجهاد إذا تحرك العدو ، أو حصر البلد ، فإن هذا كله فعل مأمور به ، ولا يوصف بالأداء في الاصطلاح لعدم تقدير وقته ، وإن كان قد يقال في فاعله : إنه أدى الواجب ، بمعنى أنه امتثل أمر الله تعالى .

وقولنا : " شرعا " : احتراز من العرف والعقل ، فإنهما لا تصرف لهما في تقدير أوقات العبادات الشرعية ولا غيرها من أحكام الشرع .

قوله : " والإعادة فعله فيه " ، أي : فعل المأمور به في وقته المقدر له شرعا " لخلل في الأول " أي : في الفعل الأول ، سواء كان الخلل في الأجزاء ، كمن صلى بدون [ ص: 448 ] شرط أو ركن ، أو في الكمال كمن صلى منفردا ، فيعيدها في جماعة في الوقت . هكذا يذكره الأصوليون ، والشيخأبو محمد قال : الإعادة فعل الشيء مرة أخرى .

قلت : وهذا أوفق للغة والمذهب ، أما اللغة : فإن العرب على ذلك تطلق الإعادة ، يقولون : أعدت الكرة إذا كر مرة بعد أخرى ، وأعدنا الحرب خدعة ، ورجع عوده على بدئه ، أي : عاد راجعا كما ذهب . وإعادة الله سبحانه وتعالى للعالم هو إنشاؤه مرة ثانية ، قال الله سبحانه وتعالى : كما بدأكم تعودون [ الأعراف : 29 ] ، كما بدأنا أول خلق نعيده [ الأنبياء : 104 ] ، وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده [ الروم : 27 ] ، وليس في ذلك كله تعرض لوقوع الخلل في الفعل الأول .

وأما المذهب ، فإن أصحابنا وغيرهم قالوا : من صلى ثم حضر جماعة ، سن له أن يعيدها معهم ، إلا المغرب على خلاف فيها .

قلت : سواء كانت صلاته الأولى منفردا أو مع جماعة ، فقد أثبتوا الإعادة مع عدم الخلل في الأولى ، وفي مذهب مالك : لا تختص الإعادة بالوقت ، بل هي في الوقت لاستدراك المندوبات ، وبعد الوقت لاستدراك الواجبات .

قوله : " والقضاء فعله " ، أي : فعل المأمور به " خارج الوقت " ، أي : بعد خروجه " لفواته فيه " أي : لفوات فعله في الوقت " لعذر أو غيره " يعني : إذا فات فعل المأمور به في وقته الشرعي ففعله خارج الوقت قضاء ، سواء كان فواته في الوقت لعذر ، [ ص: 449 ] كالحائض يفوتها الصوم في رمضان ، فتصوم بعده ، أو لغير عذر بأن أخر المأمور به عمدا حتى خرج وقته ، ثم فعله ، لأن ذلك يسمى قضاء في اللغة .

قال الجوهري : قد يكون القضاء بمعنى الفراغ ، تقول : قضيت حاجتي ، وقد يكون بمعنى الأداء والإنهاء ، تقول : قضيت ديني . ومنه قوله تعالى : وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب [ الإسراء : 4 ] ، وقضينا إليه ذلك الأمر [ الحجر : 66 ] ، أي : أنهيناه وأبلغناه .

ولا شك أن فعل العبادة خارج وقتها لفواتها فيه لعذر أو غيره ، هو فراغ منها وأداء لما وجب في ذمته منها لغة ، وانتهاء إليه ، وإنهاء له .

التالي السابق


الخدمات العلمية