صفحة جزء
[ ص: 68 ]

أحمدك على ما أسلت من وابل الآلاء ، وأزلت من وبيل اللأواء ، وأسبلت من جميل الغطاء ، وأزللت من كفيل الإحسان .


قوله : " أحمدك على ما أسلت من وابل الآلاء ، وأزلت من وبيل اللأواء ، وأسبلت من جميل الغطاء ، وأزللت من كفيل الإحسان " .

أحمدك ، بفتح الميم ، قال الجوهري : الحمد نقيض الذم ، تقول : حمدت الرجل أحمده حمدا ومحمدة ، فهو حميد ومحمود ، والتحميد أبلغ من الحمد ، والحمد أعم من الشكر .

قلت : أما أن التحميد أبلغ ، فلأن بناءه - وهو التفعيل - يفيد التكثير والتكرار ، والكثير أبلغ من القليل في حصول المقصود ، وأما أن الحمد أعم من الشكر ، فلأن الشكر إنما يكون على الصنيعة المعتدية إلى الغير ، والحمد يكون على ذلك وعلى الصفات اللازمة ، كالشجاعة والعلم والحلم ونحوه .

قال ابن هشام في " شرح الفصيح " : الشكر لا يكون إلا مجازاة ، والحمد يكون ابتداء ومجازاة . قلت : هو معنى الذي قبله ، وقيل : الحمد والشكر سيان ، وقيل : الحمد بالقول والشكر بالفعل ، وقيل غير ذلك .

وأسلت : أجريت إجراء متتابعا بشدة ، ومنه السيل للمطر إذا كان كذلك ، والوابل : المطر الشديد ، يقال : وبلت السماء تبل ، وأرض موبولة . والآلاء : النعم ، [ ص: 69 ] واحدها ألا بالفتح ، وقد تكسر ، وتكتب بالياء مثل معى وأمعاء . وأزلت : من الإزالة ، وهي النقل والتحويل ، والوبيل : فعيل من الوبال بالفتح وهو الثقل والوخامة ، ومرتع وبيل ، أي : وخيم ، ولعل الوبال من هذا . واللأواء : الشدة ، والمراد أن اللأواء لذاتها صفة وخيمة فنعوذ بك منها .

وأسبلت : من سبل إزاره : إذا أرخاه ، وهو الإسبال ، والجميل : الحسن ، وأصله : الشحم المذاب ، قالوا : وجه جميل أي كأنه لنضارته وبريقه دهن بالجميل ، ثم قيل لكل حسن : جميل ، والغطاء أصله الارتفاع وغطا الماء وكل شيء إذا ارتفع ، [ وطال على شيء فقد غطا عليه ] ، وغطا الليل يغطو ويغطي : إذا أظلم ، لأنه يرتفع على الأشياء ويعلو عليها فيخفيها ، والغطاء كذلك يعلو من تحته فيخفيه .

وأزللت : أصله من الزلل ، وهو الميل ، يقال : زل عن الطريق ونحوه إذا مال عنه ، وفي الكتاب العزيز : فأزلهما الشيطان عنها [ البقرة : 36 ] أي أمالهما ، فالمعنى : أملت إلينا من الإحسان ، يقال : أزل فلان إلي نعمه ، أي أمالها ، وهذا متحقق ، فإن النعم في الأصل كلها لله عز وجل ، لا يستحق أحد منها شيئا ، ونسبتها إلى كل واحد من [ ص: 70 ] آحاد الخلق على السواء ، فإذا خص الله سبحانه عبدا بنعمة ما ، فقد أمالها إليه عن غيره .

وكفيل الإحسان : شامله وعامه : من الكفل ، وهو كساء يدار حول سنام البعير ، ثم يركب ، ويجوز في معنى الضامن ، أي : إحسانك إلينا تكفل لنا بالكفاية والغناء وكل خير ، ومضمون هذه الجملة هو مطلوب كل عاقل ، ومتعلق الحمد عنده ، وذلك لأن مطلوب العاقل ، إما دفع ضرر وهو اللأواء ، أو حصول نفع وهو إسالة الإحسان والآلاء ، وإسبال جميل الغطاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية