صفحة جزء
[ ص: 547 ]

والكلام ما تضمن كلمتين بالإسناد ، وهو نسبة أحد الجزئين إلى الآخر لإفادة المخاطب . وقيل : اللفظ المركب المفيد بالوضع ، وشرطه الإفادة . ولا يأتلف إلا من اسمين ، نحو زيد قائم . أو فعل واسم ، نحو قام زيد . فالأولى جملة اسمية . والثانية فعلية ، ويا زيد ، والشرطية ، نحو إن تقم أقم ، فعليتان .


قوله : " والكلام ما تضمن كلمتين بالإسناد " ، إنما قال : ما تضمن ، ولم يقل : ما تألف أو تركب من كلمتين ليدخل فيه مثل : اضرب ، ونحوه مما أحد جزئيه غير ملفوظ به ، لكنه في ضمن الملفوظ به ، والتضمن أخص من التركيب والتأليف ، لأن التركيب والتأليف لا بد فيها من شيئين يركب أحدهما الآخر أو يألفه ، بخلاف التضمن ، فإنه حصول شيء في ضمن شيء آخر : في طيه ، فقد لا يكون ملفوظا به ، كالفاعل في فعل الأمر ، وفي الماضي والمضارع إذا سبقه ظاهر يرجع إليه ، نحو : اضرب ، وزيد ضرب ويضرب .

فقوله : " ما تضمن كلمتين " يشمل ما كان بالإسناد وبدونه ، كالمضاف والمضاف إليه ، نحو : غلام زيد ، والصفة والموصوف ، نحو : رجل صالح ، لكن هذا ليس بكلام ما لم يكن التضمن المذكور إسناديا ، فلما قال : " بالإسناد " خرج ذلك ، وصار الحد مقصورا على التضمن الإسنادي ، نحو : زيد قائم ، وقام زيد .

قوله : " وهو " يعني الإسناد ، " نسبة أحد الجزئين إلى الآخر إفادة المخاطب " فائدة مستقلة ، يحسن السكوت عليها ، ففي قولنا : زيد قائم ، قد نسبنا أحد الجزئين ، وهو قائم ، إلى الجزء الآخر ، وهو : زيد ، وكذلك في قام زيد : نسبنا [ ص: 548 ] قام ، وهو الفعل ، إلى الفاعل ، وهو زيد ، هذا في الإثبات . وأما في قولنا : زيد ليس بقائم ، وما قام زيد ، فالنسبة كذلك لكنها بالنفي .

قوله : " وقيل : اللفظ " ، أي : وقيل : الكلام هو اللفظ " المركب المفيد بالوضع " .

هذا الحد ذكره ابن معطي في " الفصول " وغيره ، والأول ذكره ابن الحاجب .

فقوله : " اللفظ " : احتراز من العقد ، والإشارة ، والكتابة ، ونحوها مما ليس بلفظ .

وقوله : " المركب " : احتراز من اللفظ المفرد ، فإنه ليس بكلام ، إذ شرط الكلام التركيب ، لأنه خبر وحديث ، فلا بد فيه من أقل ما يكون من مخبر به ، ومخبر عنه ، أو محدث به ، ومحدث عنه ، يركب أحدهما مع الآخر .

وقوله : " المفيد " : احتراز من المركب غير المفيد ، كالمضاف والمضاف إليه ، والموصوف والصفة .

وقوله : " بالوضع " : احتراز من المفيد لا بالوضع ، بل بالعقل ، كدلالة الصوت على مصوت وراء حجاب ، أو بالطبع ، كدلالة أح على أذى الصدر ، وأخ على الهم والغم .

ثم هاهنا بحثان :

أحدهما : أن بين الكلام والكلم عموما وخصوصا ، فبعض الكلم كلام ، وهو ما إذا اشتمل على الإسناد المفيد ، نحو : زيد في الدار ، وبعض الكلام كلم ، وهو ما إذا تضمن ثلاث كلمات فصاعدا ، لأن الكلم جمع ، وأقله ثلاث ، فقولنا : زيد [ ص: 549 ] في الدار : كلم وكلام ، وزيد قائم : كلام لا كلم ، وزيد من عن هل : كلم لا كلام ، ومن عن : لا كلام ولا كلم ، لا مفيد ، ولا ثلاث كلمات ، بل هو كلمتان .

البحث الثاني : زعموا أن الكلام مشتق من الكلم ، وهو الجرح ، فلذلك وجب أن يكون مفيدا ، أي : يؤثر في نفس السامع فائدة ، كما يؤثر الجرح في نفس المجروح ألما . وهذا يرد عليه الكلم ، فإنه من مادة الكلام ، فيقتضي أنه مشتق مما اشتق منه الكلام ، مع أن الكلم لا يستلزم الفائدة .

ويجاب عنه : بأنا قد بينا أن بعض الكلم ، وجميع الكلام مفيد ، فاعتبر في الاشتقاق الأكبر ، وهو مفيد ، أعني الكلام وبعض الكلم ، وهو أكثر الألفاظ ، فكان غالبها مفيدا ، فصح الاشتقاق باعتبار الغالب .

قوله : " وشرطه الإفادة " ، أي : شرط الكلام الإفادة ، لما ذكرنا من مقتضى الاشتقاق ، ومن كونه إخبارا ، فيحتاج إلى مخبر به ومخبر عنه .

قوله : " ولا يأتلف إلا من اسمين ، نحو : زيد قائم ، أو فعل واسم ، نحو : قام زيد " ، وذلك لأن الحاصل من تركيب الكلم الثلاث بعضها مع بعض ستة تراكيب بلا تكرار ، وتسعة مع تكرار ثلاثة منها ، لأنها ثلاثة ، وكل واحد منها يكون مركبا مع [ ص: 550 ] مثله ، ومع قسيميه ، فهي ثلاثة في ثلاثة تسعة : الاسم مع اسم ، أو فعل ، أو حرف . والفعل مع فعل ، أو اسم ، أو حرف . والحرف مع حرف ، أو اسم ، أو فعل . وإذا سقط المكرر ، عادت إلى اسم مع اسم ، أو فعل ، أو حرف ، وفعل مع فعل ، أو حرف ، وحرف مع حرف .

والكلام لا بد فيه من مسند إليه ، فالاسم مع الاسم كلام ، لوجود المسند والمسند إليه جميعا من نوع واحد ، والفعل مع الاسم كلام ، لوجودهما من نوعين ، والاسم مع الحرف ليس بكلام ، لعدم أحدهما المسند أو المسند إليه ، والفعل مع الفعل كذلك ، لعدم المسند إليه ، والفعل مع الحرف كذلك وأولى ، والحرف مع الحرف كذلك وأولى .

قوله : " فالأولى جملة اسمية " ، يعني : زيد قائم ، " والثانية " جملة فعلية " يعني : قام زيد .

والفرق بين الجملة الاسمية والفعلية : أن التي أول جزئيها اسم : اسمية ، وإن كان آخر جزئيها فعلا ، نحو : زيد قام ، والتي أول جزئيها فعل : فعلية ، ولا يكون آخر جزئيها إلا اسما ، نحو قام زيد .

وقوله : " ويا زيد ، والشرطية نحو : إن تقم أقم فعليتان " . هذا على سبيل الضم لمنتشر الجمل ، ورد الجميع إلى انحصار في الاسمية والفعلية ، ودفعا لنقض قولنا : إن الكلام لا يأتلف إلا من اسمين ، أو فعل واسم . بقولهم : يا زيد ، فإنه كلام مفيد ، وهو من حرف واسم . [ ص: 551 ]

والجواب أن يا زيد وإن كان حرفا واسما في اللفظ ، فإنه فعل واسم في المعنى ، فإن " يا " نائبة مناب أدعو ، أو أنادي ، فقولك : يا زيد ، تقديره : أدعو زيدا ، أو أنادي زيدا ، ولهذا كان المنادى المبني على الضم ، نحو : يا زيد ، ويا رجل ، واقعا موقع المنصوب ، نظرا إلى الفعل الذي نابت عنه " يا " ، فلو قيل : لا يأتلف الكلام إلا من اسمين ، أو فعل واسم ، لفظا أو تقديرا ، لاندفع هذا النقض بـ " يا زيد " ، لأنه فعل واسم تقديرا .

وأما ذكرنا للجملة الشرطية ، فلأن النحاة يقولون : الجملة إما اسمية ، نحو : زيد قائم ، أو فعلية ، نحو : قام زيد ، أو ظرفية ، نحو : زيد عندك ، وعمرو في الدار ، أو شرطية نحو : إن تقم أقم . وعند التحقيق يظهر أن الظرفية اسمية ، والشرطية فعلية .

أما الأول : فلأن الظرف في الظرفية متعلق بالخبر ، وهو اسم أو فعل ، فالتقدير : زيد مستقر عندك ، أو استقر عندك ، وعمرو مستقر في الدار ، أو استقر في الدار . وعلى التقديرين يرجع إلى الاسمية .

وأما الثاني : فلأن حرف الشرط ربط بين جملتين فعليتين ، إذ التقدير : إن تقم أنت أقم أنا ، وكل واحدة من الجملتين مركبة من فعل وفاعل ، فهي إذا راجعة إلى الفعلية . [ ص: 552 ]

نعم هاهنا تنبيه ، وهو أن الكلام يخرج عن الإفادة ، تارة بالزيادة ، وتارة بالنقص . أما الأول : فإن قولنا : قام زيد ، كلام مفيد ، فإذا أدخلنا عليه حرف الشرط ، كقولنا : إن قام زيد ، أو لو قام زيد ، خرج عن الإفادة ، وبقي متوقفا على تتمة تحصل فيه الفائدة ، وهو جواب الشرط .

وأما الثاني : فإن قولنا : زيد قائم ، أو قام زيد ، كلام تام ، فإذا أسقطنا أحد جزأيه خرج عن الإفادة .

وعكس هذا أن الكلم يخرج إلى الفائدة بزيادة أو نقص .

أما الأول : فقولنا : زيد : ليس بمفيد فإذا قلنا : قائم ، أو قام . بعده ، أو قبله ، صار مفيدا جملة اسمية أو فعلية .

وأما الثاني : فقولنا : إن قام زيد ، فهو غير مفيد ، فإذا أسقطنا حرف الشرط ، بقي جملة فعلية مفيدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية