صفحة جزء
[ ص: 25 ] الثانية : المنقول آحادا ، نحو : " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " ، حجة عندنا وعند أبي حنيفة ، خلافا للباقين . لنا : هو قرآن أو خبر ، وكلاهما يوجب العمل . قالوا : يحتمل أنه مذهب ، ثم نقله قرآنا خطأ ، إذ يجب على الرسول تبليغ الوحي إلى من يحصل بخبره العلم . قلنا : نسبة الصحابي رأيه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - كذب وافتراء لا يليق به ; فالظاهر صدق النسبة ، والخطأ المذكور إن سلم ، لا يضر ، إذ المطرح كونه قرآنا لا خبرا ، لما ذكرنا وهو كاف .


المسألة " الثانية " : أي من مسائل الكتاب " المنقول آحادا ، نحو " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " ، وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ، " حجة عندنا وعند أبي حنيفة ، خلافا للباقين " ، منهم مالك والشافعي .

قوله : " لنا : هو قرآن أو خبر " ، إلى آخره ، أي : لنا على أن المنقول من القرآن آحادا حجة ، أنه دائر بين أن يكون قرآنا أو خبرا ، وكلاهما - أعني القرآن والخبر - يوجب العمل .

أما الأول : فلأن الناقل جازم بالسماع من النبي - صلى الله عليه وسلم - فصدوره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إما على جهة تبليغ الوحي ; فيكون قرآنا ، أو على جهة تفسيره ; فيكون خبرا .

وأما الثاني : وهو أن كليهما يوجب العمل ; فبالاتفاق ; فلزم من ذلك أن يكون المنقول من القرآن آحادا حجة .

[ ص: 26 ] قوله : " قالوا : يحتمل أنه مذهب " إلى آخره . هذا دليل الخصم على أنه ليس بحجة ، وهو من وجهين :

أحدهما : أن دورانه بين القرآن والخبر ليس حاصرا ، بل جاز أن يكون مذهبا للناقل ، ومذهبه ليس بحجة ; فقد دار ما نقله بين ما هو حجة ، وبين ما ليس بحجة ، ومع التردد في جواز الاحتجاج به لا يكون حجة ، استصحابا للحال فيه ، وهو عدم الاحتجاج به .

الوجه الثاني : أن بتقدير الناقل له على أنه قرآن ، يكون خطأ منه على الرسول ، أو خطأ منه مطلقا في نفس الأمر ; لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب عليه تبليغ الوحي إلى جماعة يحصل العلم بخبرهم ، ولا يخرج عن عهدة التبليغ بتبليغ الواحد ، وحينئذ نعلم قطعا أن هذا الناقل أخطأ على الرسول في نقله الآحاد على أنها قرآن ; لأنه نسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ترك الواجب عليه .

قوله : " قلنا : نسبة الصحابي رأيه " ، إلى آخره ، هذا جواب عن الوجهين اللذين ذكرهما الخصم .

وتقريره أن كون الصحابي ينسب رأي نفسه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كذب من الصحابي ، وافتراء على النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ينقل عنه ، ويقول ما لم يقل ، وذلك لا يليق نسبته إلى الصحابة ، مع تحريهم في الصدق عليه ، هذا جواب الوجه الأول للخصم .

وقوله : " والخطأ المذكور إن سلم لا يضر " ، إلى آخره ، هذا الجواب

[ ص: 27 ] الثاني ، وتقريره : أنا لو سلمنا أن نقل الصحابي له قرآنا خطأ ، لكنه لا يضرنا ; لأنه إنما يلزم منه أنه ليس بقرآن ، لا أنه ليس بخبر ، لما ذكرناه من عدالة الصحابة وتحريهم فيما ينقلونه ، وتنزههم عن الكذب ، خصوصا على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإذا ثبت أنه خبر مرفوع ، كان كافيا في العمل ، وهذا معنى قولنا : " إذ المطرح كونه قرآنا لا خبرا ، لما ذكرنا ، وهو كاف " .

التالي السابق


الخدمات العلمية