صفحة جزء
[ ص: 188 ] الثامنة : الراوي ؛ إما صحابي ، أو غيره .

فالصحابي لألفاظ روايته مراتب ، أقواها أن يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ، أو حدثني ، أو أخبرني ، أو أنبأني ، أو شافهني ، وهو الأصل في الرواية ، لعدم احتماله .

ثم : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؛ فحكمه حكم الأول ، لإشعاره بالسماع ظاهرا ، وعدم تدليس الصحابة ، لكنه دونه في القوة ، لاحتمال الواسطة ، كسماع أبي هريرة : من أصبح جنبا ؛ فلا صوم له من الفضل بن عباس ، وابن عباس : إنما الربا في النسيئة من أسامة .


المسألة " الثامنة : الراوي : إما صحابي أو غيره " ، إلى آخره ، هذا بيان مراتب الرواية ، وألفاظ الرواة ؛ لأن بيان ذلك ضروري ، لاختلال الأحكام باختلافه ، وقسمة الراوي إلى صحابي وغيره قسمة صحيحة ؛ لأن الراوي ؛ إما أن يكون قد سمع من النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أو رآه ، أو لا ، والأول الصحابي ، والثاني غيره .

" فالصحابي لألفاظ روايته مراتب :

أقواها : أن يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ، أو حدثني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أو أخبرني ، أو أنبأني ، أو شافهني فهذا كله سواء ، وهو الأصل في الرواية ، لعدم احتماله " ، يعني : الواسطة ، لقوله عليه السلام : نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها . الحديث . نعم ، بين سمعت ، وحدثني ، وأخواتها فرق ، وهو أن حدثني ونحوه : يكون الراوي مقصودا بالحديث ولا بد ، على ظاهر اللفظ ، بخلاف سمعته يقول ، إذ لا يلزم أن يكون الراوي مقصودا بالحديث ، بل جاز أن [ ص: 189 ] الحديث لغيره ، وسمعه هو ، كما في شهادة المستخفي .

قوله : ثم : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أي : قول الصحابي رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كذا ، هو في القوة بعد قوله : سمعت ، لكن حكمه حكم قوله : سمعت ، وحدثني ، في أنه محمول على السماع لإشعاره به ظاهرا ، وعدم تدليس الصحابة ، أي : حكم قوله : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حكم قوله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لوجهين :

أحدهما : أن اللفظ ، أي : لفظ قال ، مشعر بأنه سمع منه في ظاهر الحال .

الثاني : لعدم تدليس الصحابة ، إذ لو كان سماعه بواسطة ، مع قوله : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، المشعر ظاهرا بالسماع ، لكان ذلك تدليسا وتلبيسا على الناس ، والصحابة لا يفعلون ذلك .

قوله : " لكنه دونه " ، أي : لكن قوله : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، دون قوله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " في القوة ، لاحتمال الواسطة " ، في قوله : قال ؛ لأن قوله : قال ، هو إسناد القول إلى القائل ، وهو أعم من أن يكون بواسطة أو عدمها ، وذلك كسماع أبي هريرة رضي الله عنه من الفضل بن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أصبح جنبا فلا صوم له ، ثم رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بلفظ : قال ، أو بلفظ يوهمه . وكسماع ابن عباس ، من أسامة بن زيد رضي الله عنهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الربا في النسيئة ، ثم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كذلك ، ثم لما سئل أبو هريرة وابن عباس عن حديثيهما ، بينا ممن سمعا ، ولهذا ذهب القاضي أبو بكر إلى أن قول الصحابي العدل : قال [ ص: 190 ] رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لا يدل على سماعه منه ، بل هو محتمل متردد ، والأكثرون على خلافه لما مر .

قلت : مما يقوي قول القاضي ، أن أبا بكر المروزي روى في كتاب العلم ، عن ابن جريج ، قال : كان عطاء يقول : قال ابن عباس ؛ فنقول : سمعته ؟ فيقول : خرج به أصحابه إلينا .

قلت : والتدليس الموهم حرام على الصحابة وغيرهم ، وإذا جاز وقوع ذلك من التابعين ، جاز من الصحابة .

التالي السابق


الخدمات العلمية