صفحة جزء
[ ص: 215 ] وإنكار الشيخ الحديث غير قادح في رواية الفرع له ، وهو قول مالك والشافعي ، وأكثر المتكلمين ، وخالف الحنفية . لنا : عدل جازم ؛ فتقبل روايته ، ويحمل إنكار الشيخ على نسيانه ، جمعا بينهما ، وقد روى ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قضى باليمين مع الشاهد . ثم نسيه سهيل ؛ فكان بعد يقول : حدثني ربيعة ، عني ، أني حدثته ولم ينكره أحد من التابعين . قالوا : هو فرع لشيخه في الإثبات ؛ فكذا في النفي . وكالشهادة . قلنا : ممنوع بما ذكرنا ، وباب الشهادة أضيق ؛ فيمتنع القياس .


قوله : " وإنكار الشيخ الحديث غير قادح في رواية الفرع له " ، إلى آخره .

اعلم أن إنكار الأصل لرواية الفرع : إما أن يكون مع الجزم بالإنكار ، أو مع التردد فيه .

فإن كان مع الجزم ؛ فإما أن يكون إنكار تكذيب للفرع ، أو لا ، فإن كان إنكار تكذيب للفرع ؛ فحكى الآمدي الإجماع على أنه لا يقبل ؛ لأن كل واحد منهما يكذب الآخر ؛ فأحدهما كاذب ، لا بعينه .

وإن لم يكن إنكار تكذيب ، أو كان إنكار الأصل غير جازم ، بل كان شاكا في رواية الفرع ؛ فهو غير قادح فيها ، ويجب قبوله والعمل به عندنا ، و " هو قول مالك ، والشافعي ، وأكثر المتكلمين ، وخالف الحنفية " ؛ فقالوا : لا يقبل . هكذا يحكي بعض الأصوليين الخلاف مع الحنفية ، ومذهبهم على ذلك ، لردهم حديث ربيعة [ ص: 216 ] بن أبي عبد الرحمن في الحكم بشاهد ويمين .

والمذكور في " الروضة " و " المنتهى " ، و " التنقيح " أن الخلاف مع الكرخي منهم . قال القرافي : مذهب أكثر أصحابنا والشافعية والحنفية : إذا شك الأصل في الحديث ، لا يضر ذلك ، خلافا للكرخي .

قوله : " لنا : عدل جازم " ، إلى آخره . هذا دليل على قول الأكثرين .

وتقريره : أن الفرع عدل جازم بالرواية عن الأصل ؛ فتقبل روايته عنه . وأما إنكار الشيخ للرواية ؛ فيحمل على نسيانه ، أي : على أنه نسي أنه حدثه جمعا بينهما أي : بين جزم الفرع بالرواية ، وإنكار الشيخ لها .

وقد روى ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قضى باليمين مع الشاهد ، ثم نسيه سهيل ، [ ص: 217 ] فكان بعد ذلك يقول : حدثني ربيعة عني ، أني حدثته عن أبي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، ولم ينكره أحد من التابعين فيكون ذلك إجماعا .

فإن قيل : لعل سهيلا تذكر الحديث برواية ربيعة عنه ، ومراجعته له في ذلك ؛ فتخرج قصته عن الاحتجاج بها في محل النزاع .

قلنا : لو كان كذلك ، لما رواه بعد ذلك عن ربيعة ، عنه ، بل كان يرويه كما لو لم ينس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، والنسيان متسلط على الإنسان ؛ فيحمل الحال عليه ، وقد صنف الخطيب البغدادي جزءا فيمن حدث ونسي ، لكثرة وقوع ذلك منهم .

قوله : " قالوا " هذا دليل الخصم ، أي : قالوا : الفرع تبع لشيخه في إثبات الحديث ، بحيث إذا أثبت الشيخ الحديث ، ثبت برواية الفرع ؛ فكذلك يجب أن يكون فرعا عليه ، وتبعا له في النفي ، بحيث إذا نفاه الشيخ ، تنتفي رواية الفرع له ، وكالشهادة ، فإن شاهد الأصل إذا أنكر الشهادة ، أو تردد فيها ، بطلت شهادة الفرع .

قوله : " قلنا : ممنوع بما ذكرنا ، وباب الشهادة أضيق ؛ فيمتنع القياس " . هذا جواب دليلهم .

وتقريره : أن ما ذكرتموه من أنه فرع على الشيخ في النفي ، بالقياس على الإثبات ، ممنوع بما ذكرنا ، من أنه عدل جازم بالرواية ، والجمع بين روايته ، وإنكار الشيخ ، ممكن بما سبق ، ولا يلزم من كونه فرعا في الإثبات ، أن يكون فرعا في النفي .

وأما القياس على الشهادة ؛ فغير صحيح ؛ لأن باب الشهادة أضيق من باب الرواية ، بدليل أن شهادة الفرع لا تسمع مع القدرة على شهادة الأصل ، والرواية [ ص: 218 ] بخلاف ذلك ، وبين البابين فروق كثيرة ، وحينئذ يمتنع القياس ؛ لأن شرطه استواء الأصل والفرع ، من الجهة التي لأجلها القياس .

التالي السابق


الخدمات العلمية