صفحة جزء
[ ص: 120 ]

فأصول الفقه بالاعتبار الأول : العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية .


قوله : " فأصول الفقه بالاعتبار الأول " أي باعتبار تعريفه من حيث هو مركب : هو " العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية " .

العلم : سيأتي الكلام عليه آخر الفصل إن شاء الله تعالى .

والقواعد : جمع قاعدة وهي أساس البنيان ، وفي اصطلاح العلماء حيث يقولون : قاعدة هذه المسألة ، والقاعدة في هذا الباب كذا : هي القضايا الكلية التي تعرف بالنظر فيها قضايا جزئية ، كقولنا مثلا : حقوق العقد تتعلق بالموكل دون الوكيل ، وقولنا : الحيل في الشرع باطلة ، فكل واحدة من هاتين القضيتين تعرف بالنظر فيها قضايا متعددة .

كقولنا : عهدة المشتري على الموكل ، ولو حلف لا يفعل شيئا ، فوكل فيه حنث ، ولو وكل مسلم ذميا في شراء خمر ، أو خنزير ، لم يصح لأن أحكام العقد تتعلق بالموكل . وقولنا : لا يجوز نكاح المحلل ، ولا تخليل الخمر علاجا ، ولا بيع العينة ، ولا الحيلة على إبطال الشفعة ، لأن الحيل باطلة ، فكانت تلك القضية الكلية لهذه القضايا الجزئية أسا تستند إليها وتستقر عليها .

وهكذا قولنا : الأمر للوجوب وللفور ، ودليل الخطاب حجة ، وقياس الشبه دليل [ ص: 121 ] صحيح ، والحديث المرسل يحتج به ، ونحو ذلك من مسائل أصول الفقه هي قواعد للمسائل الفقهية .

والتوصل : هو قصد الوصول إلى المطلوب بواسطة فهو كالتوسل .

واستنباط الأحكام : استخراجها ، وكذا استنباط الماء ، يقال : نبط الماء ينبط - بضم الباء وكسرها - نبوطا : إذا نبع ، والنبيط : الماء الخارج من قعر البئر إذا حفرت .

والأحكام : يأتي الكلام عليها إن شاء الله سبحانه وتعالى .

والشرعية : الصادرة عن الشرع ، وهو الطريق الإلهي المعلوم بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم .

والفرعية منسوبة إلى الفرع ، وهو ما استند في وجوده إلى غيره استنادا ثابتا ، وهذا احتراز من المشروط ونحوه ، مما استناد وجوده إلى غيره عرضي ، لاقتضاء العقل أو الشرع توقفه على وجوده ، وليس هو من ذاته ، كالغصن من الشجرة ، ونحوه ، هذا حقيقة الفرع .

أما قول الفقهاء : هذا من فروع الدين ، وهذه المسألة فرع على كذا ، فهو مجاز ، إذ ليس فيه تبعيض ولا استناد ذاتي .

والمراد بالأحكام الفرعية : القضايا التي لا يتعلق بالخطأ في اعتقاده مقتضاها ولا العمل به قدح في الدين ، ولا العدالة في الدنيا ، ولا وعيد في الآخرة ، كمسألة [ ص: 122 ] النية في الطهارة ، وبيع الفضولي ، والنكاح بغير ولي ، وقتل المسلم بالذمي ، والحكم على الغائب ، وأن الحكم لا ينفذ باطنا .

بخلاف ما يقدح من ذلك في الدين ، كاعتقاد قدم العالم ، ونفي الصانع ، وإنكار المعجزات ، وإبطال النبوات ، أو يقدح في العدالة ، أو الدين على خلاف فيه ، كالمسائل التي بين المعتزلة والأشعرية والأثرية ، كمسألة الكلام والرؤية والجهة ، وبالجملة فمسائل الشريعة ، إما مكفر قطعا كنفي الصانع ، أو غير مكفر قطعا كاستباحة النبيذ بالاجتهاد ، أو واسطة بين القسمين تحتمل الخلاف ، كما حققته في آخر كتاب " إبطال التحسين والتقبيح " .

فإن قيل : يلزم على ما ذكرت أن شرب الحنبلي للنبيذ ، وأكل الحنفي لحم الخيل معتقدا تحريمه ليس من الأحكام الفرعية ، بل من الأصولية ، لأن ذلك يحرم عليهما ويأثمان به ، ويقدح في عدالتهما . قيل : نعم ، هو كذلك ، لأن هذا شيء يتعلق بمخالفة المعتقد ، فخرج عن حد الفروع المتعلقة بالأفعال .

قوله : " من أدلتها " : أي التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية ، أي المذكورة على جهة التفصيل ، كما سنبين بعد إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية