صفحة جزء
[ ص: 399 ] السابعة : مقتضى الأمر حصول الإجزاء بفعل المأمور به إذا أتى بجميع مصححاته خلافا لبعض المتكلمين .

لنا : لو لم يجزئه ، لكان الأمر به عبثا ، ولأن الذمة اشتغلت بعد براءتها منه ; فالخروج عن عهدته بفعله كدين الآدمي .

قالوا : يجب إتمام الحج الفاسد ، ولا يجزئ . وظان الطهارة مأمور بالصلاة ولا تجزئه ، ولأن القضاء بأمر جديد ; فالأمر بالشيء لا يمنع إيجاب مثله .

وأجيب : بأن عدم الإجزاء في الصورتين لفوات بعض المصححات ، ولسنا فيه ، والقضاء بأمر جديد ممنوع .


المسألة " السابعة : مقتضى الأمر : حصول الإجزاء بفعل المأمور به ; إذا أتى بجميع مصححاته " من ركن وشرط ، " خلافا لبعض المتكلمين " منهم القاضي عبد الجبار وأتباعه .

وصورة المسألة : أن فعل صلاة الظهر ، ونحوها من الصلوات ، بجميع مصححاتها ، هل يقتضي حصول الإجزاء ، بحيث لا يجب قضاؤها فيما بعد ؟

قوله : " لنا : لو لم يجزئه ، لكان الأمر به عبثا " ، إلى آخره . هذا دليل القائلين بالإجزاء .

وتقريره من وجوه :

أحدها : أن المأمور به لو لم يقع مجزئا ; لكان الأمر به عبثا ، والعبث على الشرع محال ، وإنما قلنا ذلك ; لأنه لو لم يكن وقوعه مجزئا ; لكان وجوده كعدمه ، وما كان وجوده كعدمه لا فائدة فيه ، فلو لم يقع مجزئا ، لكان لا [ ص: 400 ] فائدة فيه ، والأمر بما لا فائدة فيه عبث ; فالمأمور به على هذا التقدير يكون عبثا ، لكنه محال من الشرع ، لما سبق وعرف ; فثبت أن الأمر يقتضي وقوع المأمور به بشروطه ، مجزئا ، وهو المطلوب .

الوجه الثاني : أن الذمة كانت بريئة من المأمور به قبل التكليف ، بحق الأصل ، فلما اشتغلت به بعد براءتها منه ، وجب أن يكون طريق الخروج عن عهدته ، وعودها بريئة كما كانت ; هو فعله ، بناء على أن ما ثبت لعلة ، زال بزوالها ، كما أن الطريق إلى الخروج عن دين الآدمي هو أداؤه ، وذلك هو المراد بالإجزاء .

الوجه الثالث : ولم يذكر في " المختصر " ، ما روى أبو هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إذا أديت زكاة مالك ; فقد قضيت ما عليك . رواه ابن ماجه والترمذي ، وقال : حسن غريب .

ويعضده قوله عليه السلام للخثعمية حين سألته : هل يجزئ أباها أن تحج عنه ؟ فقال : نعم ، أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان يجزئ عنه ؟ قالت : نعم ، قال : فدين الله أحق بالقضاء . فدل على أن الإجزاء [ ص: 401 ] بفعل المأمور به كان مقررا عندهم في الشرع ، حتى جعله نظيرا لما سألت عنه ، تقريبا إلى فهمها ، ثم أخبر أن دين الله يجب قضاؤه ، كما يجب قضاء دين الآدمي ; فيلزم فيه من الإجزاء ما لزم في دين الآدمي .

قوله : " قالوا : يجب إتمام الحج الفاسد " ، إلى آخره . هذا دليل الخصم على عدم الإجزاء ، وهو من وجهين :

أحدهما : أن الحج الفاسد مأمور بإتمامه ، ولا يقع مجزئا ، والمحدث يظن [ ص: 402 ] الطهارة ، وإذا صلى لا يجزئه ; فدل على أن فعل المأمور لا يقتضي الإجزاء لزوما ، بل جوازا .

الوجه الثاني : أن الإجزاء مفسر بسقوط القضاء ; لكن القضاء بأمر جديد ، وإذا كان بأمر جديد ; فالأمر بالشيء لا يمنع إيجاب مثله بعد وقته .

مثلا الأمر بركعتين بعد طلوع الفجر ، لا يمنع الأمر بركعتين بعد طلوع الشمس .

- قوله : " وأجيب " ، يعني عما ذكروه ، بأن " عدم الإجزاء في الصورتين " وهما إتمام الحج الفاسد ، وصلاة المحدث يظن الطهارة ، إنما كان لفوات بعض المصححات وهو الإمساك عن الوطء في الحج ، والطهارة في الصلاة ، وليس الكلام في ذلك ، إنما الكلام فيما إذا أتى بالمأمور به بجميع مصححاته . وقد سبق الكلام على الصورتين ، عند ذكر القضاء والإجزاء في خطاب الوضع ، بأبسط من هذا .

وأما كون القضاء بأمر جديد ; فهو ممنوع كما سبق في المسألة قبلها ، وإن سلمناه ; فهو مشروط بوقوع الخلل في المقضي ، وليس ذلك فرض المسألة ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية