صفحة جزء
[ ص: 465 ] وألفاظ العموم أقسام :

أحدها : ما عرف باللام غير العهدية ، وهو إما لفظ واحد ، نحو : السارق والسارقة ، أو جمع له واحد من لفظه ، كالمسلمين والمشركين ، والذين ، أو لا واحد له منه كالناس ، والحيوان ، والماء ، والتراب .

الثاني : ما أضيف من ذلك إلى معرفة ، كعبيد زيد ، ومال عمرو .

الثالث : أدوات الشرط ، كمن : في من يعقل ، وما : فيما لا يعقل وأي فيهما . وأين في المكان ، ومتى وأيان في الزمان .

الرابع : كل وجميع .

الخامس : النكرة في سياق النفي . أو الأمر ، نحو : أعتق رقبة ، على قول فيه ، وإلا لما خرج عن عهدة الأمر بعتق أي رقبة كان .

ثم قيل : العام الكامل : هو الجمع لقيام العموم بصيغته ، ومعناه وبمعنى غيره فقط . فهذه الأقسام تقتضي العموم وضعا ، ما لم يقم دليل التخصيص أو قرينته عندنا ، وقالت الواقفية : لا صيغة للعموم ، وهذه الأقسام بالوضع لأقل الجمع ، وما زاد مشترك بينه وبين الاستغراق كالنفر بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : لا عموم فيما فيه اللام ، وقيل : لا عموم إلا فيه ، وقيل : لا عموم في النكرة إلا مع " من " ظاهرة أو مقدرة ، نحو : ما من إله إلا الله ، ولا إله إلا الله .


قوله : " وألفاظ العموم أقسام " ، إلى آخره .

لما فرغ من تعريف العام ، وانقسامه إلى مطلق وإضافي ، أخذ في بيان ألفاظ العموم أي التي يستفاد منها العموم وهي خمسة أقسام :

[ ص: 466 ] أحدها : " ما عرف باللام غير العهدية " ، أي : التي ليست للعهد ، وهو يعني هذا القسم - من ألفاظ العموم إما لفظ واحد ، نحو : السارق والسارقة ، أو جمع ، ثم الجمع إما أن يكون له واحد من لفظه ، كالمسلمين والمشركين ، والذين جمع الذي ، نحو : الذين أنعمت عليهم ، أو لا يكون له واحد من لفظه ، كالناس والحيوان والماء والتراب ، إذ لا يقال فيه : ناسة ، ولا حيوانة ، ولا ماءة ، ولا ترابة ; لأن هذه ألفاظ وضعت لتدل على جنس مدلولها لا على آحاده منفردة .

وقولنا : " ما عرف باللام غير العهدية " احتراز مما عرف بلام العهد ; فإنه لا يكون عاما لدلالته على ذات معينة ، نحو : لقيت رجلا ; فقلت للرجل ، وربما جاء ذكرها في موضع آخر إن شاء الله تعالى .

وحاصل هذا القسم من ألفاظ العموم أنه إما واحد أو جمع ، والجمع إما له واحد من لفظه ، أو لا واحد له من لفظه ، ومن أمثلته : النساء ، والخيل ، والنعم ، واحدها : امرأة ، أو ناقة ، أو جمل ، أو فرس .

ومن أمثلة هذا القسم من ألفاظ العموم قوله عز وجل : إن الإنسان لفي خسر [ العصر : 2 ] ، إذ اللام فيه جنسية لا عهدية ، بدليل صحة الاستثناء منه بقوله سبحانه وتعالى : إلا الذين آمنوا الآية [ العصر : 3 ] .

القسم " الثاني : ما أضيف من ذلك " ، أي : من ألفاظ العموم المذكورة ، إلى معرفة ، كعبيد زيد ، ومال عمرو ; فالأول لفظ جمع ، والثاني اسم جنس ، أضيفا إلى معرفة ; فتقتضي عموم العبيد والمال ، حتى لو قال : رأيت عبيد زيد ، وشاهدت مال عمرو ، اقتضى ذلك أن الرؤية والمشاهدة كانت لجميع [ ص: 467 ] ذلك ، وإنما وقع المثال هاهنا وفي الأصل بلفظ الجمع والجنس المضاف إلى معرفة ، وبقي اللفظ المفرد ، نحو : السارق ، والزانية ، وهو إذا أضيف إلى معرفة لا يقتضي العموم ; لأنه لا جمع في لفظه ، بخلاف عبيد ومال ; لأن فيهما جمعا حقيقيا في نحو : عبيد زيد ، أو معنويا في نحو : مال زيد ، والمال جنس يشمل أنواعا ، أما السارق والزاني ونحوهما ، فلم يوضع لفظه ليدل على جمع لفظي ولا معنوي ، بل ليدل على ذات متصفة بفعل صدر عنها ، أو قام بها ، وليس من لوازم ذلك جمع ولا إفراد إلا بطريق الفرض .

القسم " الثالث " : من ألفاظ العموم " أدوات الشرط " ، نحو : " من فيمن يعقل ، وما فيما لا يعقل ، وأي فيهما " ، أي : في العقلاء وغيرهم ، نحو : أي الرجال لقيت ، وأي الدواب ركبت ، " وأين في المكان ، ومتى وأيان في الزمان " .

وأمثلة ذلك : ومن يتق الله يجعل له مخرجا [ الطلاق : 2 ] ، من أحيا أرضا ميتة فهي له ; فهو إشارة إلى العقلاء . ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ النحل : 96 ] [ ص: 468 ] ، وما عند الله خير للأبرار [ آل عمران : 198 ] ، على اليد ما أخذت حتى تؤدي . فهو إشارة إلى ما لا يعقل من المال والرزق .

[ ص: 469 ] ويقال : لما نزلت : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [ الأنبياء : 98 ] ، قال ابن الزبعرى : خصمت محمدا ; لأنه قد عبدت الملائكة والمسيح ، أفهم حصب جهنم ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما أجهلك بلغة قومك ، إن الله عز وجل قال : إنكم وما تعبدون من دون الله ، ولم يقل : ومن تعبدون . إشارة إلى الفرق بين العقلاء وغيرهم ، ثم نزل تخصيص [ ص: 470 ] الملائكة والمسيح بقوله تعالى : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون [ الأنبياء : 101 ] ; إما تأكيدا لما فهم من لفظ ما ، أو تنزلا مع الخصم وكشفا للبس عنه .

وكذلك يقال : إن فرعون سأل موسى عن رب العالمين جل وعلا بلفظ ما لا يعلم حيث قال : وما رب العالمين ، قال له موسى : رب السماوات والأرض [ الشعراء : 23 ، 24 ] ، الآية ، قال فرعون : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون [ الشعراء : 27 ] ; فقدح في فهم موسى عليه السلام لكونه أجابه بمن يعلم عن سؤاله بلفظ ما لا يعلم .

ومثال أي : لنعلم أي الحزبين أحصى [ الكهف : 12 ] ، ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ الملك : 2 ] ، أيا ما تدعوا [ الإسراء : 110 ] ، أيما الأجلين قضيت [ القصص : 28 ] ، والأجل ليس ممن يعقل .

ومثال أين : أينما تكونوا يدرككم الموت [ النساء : 78 ] ، فأينما تولوا فثم وجه الله [ البقرة : 115 ] ، وهو معكم أين ما [ الحديد : 4 ] ، [ ص: 471 ] فأين تذهبون [ التكوير : 26 ] ، ما كنتم تدعون [ الأعراف : 37 ] .

ومثال متى : قول الشاعر :


متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد

ومثال أيان : قوله عز وجل : يسألونك عن الساعة أيان مرساها [ الأعراف : 187 ، والنازعات : 42 ] ، في موضعين من القرآن ، أي : أي وقت وقوعها ، وجعل الشيخ أبو محمد أين وأيان جميعا للمكان ، وهو سهو ، بل أين وحدها للمكان ، وأيان للزمان ; لأن أصلها : أي أوان يكون كذا ، ثم ركبت الكلمتان بعد الحذف تخفيفا ، وجعلا كلمة واحدة ، كما قالوا : أيش ; في : أي شيء ، ونظائر ذلك كثير . ولهذا قال الله عز وجل في جواب قولهم : أيان مرساها ، لا يجليها لوقتها إلا هو [ الأعراف : 187 ] ، وفي الآية الأخرى : كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها [ النازعات : 46 ] ; فأجاب بالزمان . وكذلك قوله عز وجل : وما يشعرون أيان يبعثون [ النحل : 21 ] ، أي : لا يعلمون أي زمن يبعثون فيه ، وكذلك اعتبر الأدوات بجوابها ; فما كان ; فأضفها إليها .

[ ص: 472 ] فإذا قيل لك : من عندك ؟ قلت : زيد أو عمرو ، ولا تقول : فرس أو جمل ممن لم يعقل .

وإذا قيل لك : ما عندك ؟ قلت : فرس أو بغل ، ولا تقل : زيد أو عمرو ; فما لما لا يعقل . وقد سبق مثال أي في إضافتها إلى العقلاء وغيرهم .

وإذا قيل لك : أين كنت ؟ قلت : في المسجد ، ولا تقل يوم الجمعة ، ولا غيره من الأزمنة ; فأين للمكان .

وإذا قيل لك متى أو أيان قمت ؟ قلت : يوم الجمعة أو السبت ، ولا تقل : في المسجد أو السوق ; فمتى وأيان من أدوات الزمان .

وواحدة الأدوات أداة ، وهي الآلة .

القسم الرابع " : من ألفاظ العموم : كل وجميع ، وما تصرف منها ، نحو قوله عز وجل : كل نفس ذائقة الموت [ آل عمران : 185 ] ، كل شيء هالك [ القصص : 88 ] ، الله خالق كل شيء [ الزمر : 62 ] ، ولكل أمة أجل [ الأعراف : 34 ] ، أم يقولون نحن جميع منتصر [ القمر : 44 ] ، فسجد الملائكة كلهم أجمعون [ ص : 73 ] .

قال بعض العلماء : أفاد بقوله : أجمعون في الآية ، اتحاد زمان سجودهم ، ولم يستفد ذلك من كل ، إنما أفادت أن السجود يوجد من كل واحد منهم ، أما كون ذلك في زمن واحد ; فإنما استفيد من أجمعون ، وكذلك فرق ثعلب في " أماليه " بين جميعا ومعا ; فالأول يفيد [ ص: 473 ] الاجتماع المطلق ، والثاني يفيد المعية والاقتران ، نحو : قام زيد وعمرو جميعا ، أي : اجتمعا في وجود القيام من كل منهما ، وقام زيد وعمرو معا ، أي : اجتمعا في القيام مصطحبين فيه في زمن واحد اقترن قيام كل منهما بقيام الآخر .

القسم " الخامس " : من ألفاظ العموم " النكرة في سياق النفي أو الأمر " ، مثال النفي : قوله عز وجل : ولم تكن له صاحبة [ الأنعام : 101 ] ، ولم يكن له شريك في الملك [ الإسراء : 111 ] ، ولم يكن له كفوا أحد [ الإخلاص : 4 ] ، ولا يحيطون بشيء من علمه [ البقرة : 255 ] .

ومثال الأمر : قوله : " أعتق رقبة على قول فيه " ، أي : في هذا قولان :

أحدهما : لا يعم ; لأنه مطلق كما ذكر في بابه ، والمطلق ليس بعام لما سبق في حد العام .

والثاني : أنه يعم ; لأن قوله : أعتق رقبة لو لم يكن عاما ، لما خرج المأمور عن عهدة الأمر بعتق أي رقبة كانت ، لكنه يخرج بذلك ، وهو يدل على أنه يقتضي العموم .

وفي هذا نظر ; لأنه إنما خرج عن عهدة الأمر بذلك ; لأنه مأمور برقبة مطلقة ، والمطلق يكفي في امتثاله إيجاد فرد من أفراده ; لأن الواجب فيه تحصيل الماهية ، وهي حاصلة بفرد ما من أفراده ، كما لو قال : صل صلاة ، أو : صم يوما . والله تعالى أعلم .

[ ص: 474 ] قوله : " ثم قيل : العام الكامل " ، إلى آخره . هذا قول البستي فيما حكى الشيخ أبو محمد . وحاصل كلامه أن لفظ الجمع ; كالمسلمين والمشركين ، أكمل في باب العموم من غيره من ألفاظ العموم كالمفرد المعرف باللام ، نحو : الزاني ، والسارق ، والفرق بينهما أن العموم قام بصيغة الجمع ومعناه .

وتحقيق ذلك أن لفظه يفيد التعدد كما أن معناه متعدد ، بخلاف اللفظ المفرد ، فإن التعدد إنما هو في مدلوله لا في لفظه ; فإنا إذا قلنا : الرجال ، دل هذا اللفظ بوضعه على جماعة متعددة من ذكور بني آدم ، بخلاف الرجل والسارق ; فإنه إنما يدل بوضعه على واحد وهو ذات اتصفت بالسرقة ، وعموم مدلوله إنما استفدناه من دليل منفصل ، وهو كون هذا اللفظ أريد به الجنس أو غير ذلك .

فعلى هذا : الجمع الذي له واحد من لفظه ، كالمؤمنين ، والذي لا واحد له من لفظه ، كالناس ، والجمع المضاف ، كعبيد زيد ، وكل وجميع أكمل عموما من أدوات الشرط ، ومن النكرة في سياق النفي نحو : لا رجل في الدار ; لأن ألفاظها ليست جمعا بالوضع على حد الرجال والمسلمين ، وأدوات الشرط والنكرة المذكورة أكمل من المفرد المعرف ; لأن ألفاظها وإن لم تكن صرائح في الجمع كما ذكرنا ; فهي موضوعة له وتفيده بالجملة .

[ ص: 475 ] فهذا شرح قوله : " العام الكامل هو الجمع لقيام العموم بصيغته ومعناه جميعا وبمعنى غيره فقط " .

قوله : " فهذه الأقسام " ، إلى آخره ، أي : هذه أقسام ألفاظ العموم المذكورة تقتضي العموم عندنا بالوضع ، أي : بقصد واضع اللغة ، إفادتها للعموم ما لم يقم دليل أو قرينة تدل على تخصيصه كما يأتي إن شاء الله سبحانه وتعالى ، أو على أن المراد بها الخصوص ; فيكون من باب إطلاق العام وإرادة الخاص .

" وقالت الواقفية : لا صيغة للعموم ، تدل عليه بالوضع " . وأما الأقسام الخمسة المذكورة ; فهي بالوضع تدل على أقل الجمع على ما ذكر فيه بعد ، وما زاد على أقل الجمع مشترك بينه ، أي : بين أقل الجمع ، وبين الاستغراق .

واعلم أن هذه العبارة هي معنى عبارة " الروضة " ، وكلتاهما لا تحصل المقصود ، ولا يتحصل منها تحقيق المراد ، والعبارة الصحيحة عبارة الشيخ أبي حامد حيث قال : وقالت الواقفية : لم توضع ، يعني الألفاظ المذكورة ، لعموم ولا لخصوص ، بل أقل الجمع داخل فيه بحكم الوضع ، وهو بالإضافة إلى استغراق الجميع . أو الاقتصار على أقل الجمع ، أو تناول صنف [ ص: 476 ] وعدد بين الأقل والاستغراق مشترك يصلح لكل واحد منهما .

قلت : وصورة هذا الكلام أن قولنا : المسلمين أو الرجال مثلا يتناول أقل الجمع بحكم الوضع ، ثم هذا اللفظ بعينه مشترك بين جميع الرجال وثلاثة منهم وما بين ذلك كالعشرة والعشرين ; فيقال لجنس الذكور من بني آدم : رجال ، وللثلاثة منهم رجال ، ولما فوق ذلك رجال بالاشتراك . وحاصل ذلك كله أن اللفظ مشترك بين المقادير الثلاثة ، وهي أقل الجمع والاستغراق وما بينهما من المقادير ، ومع ذلك كله لا يجوز أن يقصر لفظ العموم على ما دون أقل الجمع ; لأنه متناول له بحكم الوضع ، واشتراك لفظ العموم بين المقادير الثلاثة المذكورة كاشتراك النفر بين الثلاثة إلى العشرة ، إذ الثلاثة تسمى نفرا ، وكذلك الأربعة والخمسة والستة ، إلى العشرة ، كل واحد منها يسمى نفرا ; فلفظ النفر يطلق على سائر هذه المقادير بالاشتراك ، أي : هو موضوع لكل واحد منها ; فكذلك لفظ الرجال موضوع لصنفهم المستغرق لهم وللثلاثة منهم ، ولما بين ذلك من مقادير أعدادهم .

" وقيل : لا عموم فيما فيه اللام " ، كالرجل والسارق .

وقيل : لا عموم إلا فيما فيه اللام .

" وقيل : لا عموم في النكرة إلا مع من ظاهرة أو مقدرة ، نحو : ما من إله إلا الله " ، وما بالربع من أحد " ولا إله إلا الله " ، ونحوه ; لأن من فيه مقدرة ، هذه الأقوال المذكورة في " المختصر " .

[ ص: 477 ] وأصله في مذاهب الناس في ألفاظ العموم وهي خمسة .

وقال الآمدي : ذهبت المرجئة إلى أن العموم لا صيغة له في اللغة تخصه ، وذهب الشافعي وأكثر الفقهاء إلى أن الصيغ المذكورة حقيقة في العموم مجاز فيما عداه .

ومنهم من عكس الحال ، يعني أنها مجاز في العموم حقيقة في غيره .

ومنهم من خالف في عموم اسم الجمع واسم الجنس المعرف دون غيره كأبي هاشم .

واختلف قول الأشعري في الاشتراك والوقف ، ووافقه القاضي أبو بكر في الوقف .

ومنهم من وقف في الأخبار والوعد والوعيد دون الأمر والنهي .

قال الآمدي : والمختار أن الصيغ المذكورة حجة في الخصوص لتيقنه والوقف فيما وراء ذلك . عدنا إلى الكلام على ما في " المختصر " .

التالي السابق


الخدمات العلمية