صفحة جزء
[ ص: 537 ] السادسة : الخطاب العام يتناول من صدر منه .

وقال أبو الخطاب : إلا في الأمر ، إذ الإنسان لا يستدعي من نفسه ولا يستعلي عليها . ومنعه قوم مطلقا . بدليل : الله خالق كل شيء [ الزمر : 62 ] .

لنا : المتبع عموم اللفظ ، وهو يتناوله ، ولو قال لغلامه : من رأيت أو دخل داري فأعطه درهما ; فرآه فأعطاه ، عد ممتثلا ، وإلا عد عاصيا . أما مع القرينة نحو : فأهنه ، أو فاضربه ; فلا ; لأنها مخصص . ويجب اعتقاد عموم العام والعمل به في الحال في أحد القولين ، اختاره أبو بكر ، والقاضي .

والثاني حتى يبحث ; فلا يجد مخصصا اختاره أبو الخطاب وللشافعية كالمذهبين .

وعن الحنفية قولان : أحدهما كالأول ، والثاني أنه إن سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، على طريق تعليم الحكم فكذلك ، ومن غيره فلا . ثم هل يشترط حصول اعتقاد جازم بأن لا مخصص . أو تكفي غلبة الظن بعدمه ، فيه خلاف .

لنا : وجب اعتقاد عمومه في الزمان حتى يظهر الناسخ ; فكذا في الأعيان حتى يظهر المخصص . ولأنه لو اعتبر في العام عدم المخصص ، لاعتبر في الحقيقة عدم المجاز ، بجامع الاحتمال فيهما ، ولأن الأصل عدم المخصص ; فيستصحب .

قالوا : شرط العمل بالعام عدم المخصص ، وشرط العلم بالعدم الطلب ، ولأن وجوده محتمل ; فالعمل بالعموم إذن خطأ .

قلنا : عدمه معلوم بالاستصحاب ، ومثله في التيمم ملتزم ، وظن صحة العمل بالعام مع احتمال المخصص كاف ، وهو حاصل ، وتخصيص العموم إلى أن يبقى واحد جائز ، وقيل : حتى يبقى أقل الجمع .

[ ص: 538 ] لنا : التخصيص تابع للمخصص . والعام متناول للواحد .

قالوا : ليس بعام .

قلنا : لا يشترط .


المسألة " السادسة : الخطاب العام يتناول من صدر منه ، وقال أبو الخطاب : إلا في الأمر " ، أي : المتكلم بكلام عام يدخل تحت عموم كلامه مطلقا في الأمر وغيره ، نحو قوله عليه السلام : من قال : لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة . وقال : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . قالوا : ومنك ؟ قال : نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم . وقال : لن [ ص: 539 ] يدخل الجنة أحدا عمله ، قالوا : ولا أنت ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل . وقوله عليه السلام : صلوا خمسكم وصوموا شهركم تدخلوا جنة ربكم .

وفصل أبو الخطاب ; فقال : إن كان كلامه أمرا ، لم يدخل تحته ، وإن لم يكن أمرا ، دخل ، والفرق بينهما أن الأمر استدعاء الفعل على جهة الاستعلاء ; فلو دخل المتكلم تحت ما يأمر به غيره ، لكان مستدعيا من نفسه ، [ ص: 540 ] ومستعليا عليها ، وهو محال ، " ومنعه قوم مطلقا " ، أي : منعوا دخول المتكلم تحت عموم كلامه مطلقا في الأمر وغيره ; فصارت المذاهب ثلاثة : يدخل مطلقا ، وهو قول الأكثرين ، لا يدخل مطلقا ، وهو قول الأقلين ، الثالث تفصيل أبي الخطاب ، يدخل تحت عموم الخبر ونحوه دون الأمر والنهي .

احتج المانعون مطلقا بقوله تعالى : الله خالق كل شيء [ الزمر : 62 ] ، ولو تناول المتكلم عموم كلامه ، للزم أن يكون الله عز وجل وصفاته مخلوقا لنفسه لتناول عموم لفظ الشيء له ، لكن ذلك محال .

ولنا على المذهب الأول وجهان :

أحدهما : أن المتبع عموم لفظ المتكلم وهو يتناوله كغيره . وأما الله عز وجل وصفاته ; فعموم قوله سبحانه وتعالى : الله خالق كل شيء يتناوله وضعا ، ويقتضي دخوله تحته لغة ، لكنه خص من العموم عقلا لامتناع ذلك في حقه عز وجل واستحالته عليه .

الوجه الثاني : لو قال السيد لغلامه : من رأيت ; فأعطه درهما ، أو من دخل داري ; فأعطه درهما ; فرأى الغلام سيده ، أو دخل السيد دار نفسه ; فأعطاه الغلام درهما ، عد ممتثلا " وإلا " أي : وإن لم يعطه عد عاصيا ، وذلك يدل على أن المتكلم يدخل تحت عموم كلامه .

قوله : " أما مع القرينة ، نحو : فأهنه ، أو فاضربه ; فلا ; لأنها مخصص " ، إلى آخره . هو جواب سؤال مقدر .

وتقريره : أنه وإن دخل تحت عموم كلامه في الصورة التي ذكرتم ، [ ص: 541 ] لكنه لا يدخل في بعض الصور ، وذلك فيما إذا قال لغلامه : من رأيت ; فأهنه أو فاضربه ; فإنه لا يدخل تحت عموم كلامه حتى لو رأى الغلام سيده ; فأهانه أو ضربه ، لكان عاصيا ، ولم يكن له ذلك ، وإذا كان المتكلم يدخل تحت خطابه في صورة دون صورة ; لم يصح قولكم : إنه يتناوله مطلقا .

وتقرير الجواب : أنه في هذه الصورة ونحوها إنما خرج عن عموم كلامه للقرينة ، وهو أن العاقل لا يأمر بإهانة نفسه ، والقرينة تخصص ، وبمثل هذا يجاب أبو الخطاب عن فرقه بين الأمر وغيره إن سلم له الفرق ، وهو أن يقال : إنما لم يدخل المتكلم تحت عموم أمره ونهيه لاستحالة تحقق الأمر منه لنفسه ، لما ذكرت من تعذر استدعائه منها ، واستعلائه عليها ، لا لأن كلامه مطلقا لا يصلح أن يتناوله ، وصار استحالة تحقق الأمر منه لنفسه قرينة مخصصة للأمر عن تناوله من صدر منه ; فافهم هذا ، والله تعالى أعلم .

تنبيه : الخطاب الوارد على لسان الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، نحو : " يا أيها الناس " و " يا أيها الذين آمنوا " يتناوله كسائر المكلفين عند الأكثرين ، خلافا لطائفة من الفقهاء والمتكلمين .

وقال الصيرفي والحليمي : إن كان في أول الخطاب أمر بالتبليغ ، نحو : قل : يا أيها الناس ، لم يتناوله ، وإلا تناوله .

والصحيح أنه يتناوله مطلقا لعموم الصيغة ، ولأن الصحابة رضي الله عنهم فهموا تناول الخطاب العام له ، وأقرهم على ذلك حيث أمرهم بفسخ الحج [ ص: 542 ] إلى العمرة ; فتوقفوا ، وقالوا : أمرتنا بالفسخ ، ولم تفسخ .

وخطاب الشرع الوارد في زمن النبوة عام للموجودين في ذلك الوقت ومن بعدهم خلافا لأكثر الشافعية والحنفية والمعتزلة ; احتجوا بأن المعدوم ليس أهلا للخطاب ; فلا يكون الخطاب متناولا له .

ولنا الإجماع على تناول الخطاب الشرعي جميع الأمة على اختلاف طبقاتها إلى يوم القيامة . وأما المعدوم ; فيصح توجه الخطاب إليه بشرط وجوده ; فهو مكلف بهذا الاعتبار ، والله تعالى أعلم بالصواب .

قوله : " ويجب اعتقاد عموم العام والعمل به " ، أي : إذا ورد اللفظ ، وجب اعتقاد كونه عاما " في الحال " ، وأن يعمل به " في أحد القولين . اختاره أبو بكر والقاضي " ، والقول " الثاني " : لا يجب ذلك " حتى يبحث ; فلا يجد مخصصا ، اختاره أبو الخطاب ، وللشافعية كالمذهبين ، وعن الحنفية قولان : أحدهما : كالأول " أي : يجب اعتقاد عمومه في الحال .

والقول " الثاني " : فيه تفصيل ، وهو أن " العام إن سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، على طريق تعليم الحكم فكذلك " ، أي : يجب اعتقاد عمومه في الحال ، وإن سمع من غير النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لم يجب اعتقاد عمومه حتى يبحث عن المخصص ، ثم إن القائلين بتوقف اعتقاد العموم على البحث عن المخصص اشترط بعضهم حصول اعتقاد جازم بعدم المخصص ، وهو القاضي أبو بكر . واكتفى بعضهم بحصول الظن الغالب بعدم المخصص ، وهم الأكثرون ، منهم : ابن سريج ، وإمام الحرمين ، والغزالي .

قلت : هذا نقل " المختصر " ، وهو الذي في " الروضة " ، غير أن الشيخ أبا محمد إنما حكى الخلاف في وجوب اعتقاد العموم فقط ، ولم يتعرض [ ص: 543 ] لوجوب العمل بنفي ولا إثبات ، وأنا ذكرت مع ذلك وجوب العمل .

وقال الآمدي : اتفق الكل على امتناع العمل بموجب العموم قبل البحث عن المخصص ، لكن اختلفوا في اعتقاد عمومه قبل ظهور المخصص ; فقال الصيرفي : يجب اعتقاد عمومه جزما ، وبظهور المخصص يزول ذلك الجزم .

وقال القاضي أبو بكر : يمتنع اعتقاد عمومه إلا بعد القطع بانتفاء المخصص ، ثم ضعف القولين . أما قول الصيرفي ; فلأنه إن أراد باعتقاد عمومه جزما عموم اللفظ لغة ; فهو صحيح ، لكن ذلك لا يزول بظهور المخصص ، وإن أراد به اعتقاد إرادة العموم باللفظ ; فهو خطأ ; لأن احتمال إرادة الخصوص به قائم .

وأما قول أبي بكر ; فلأنه يفضي إلى تعطيل العمومات ، إذ لا طريق إلى القطع بانتفاء المخصص ; لأن مدركه البحث النظري ، وهو إنما يفيد غلبة الظن .

قلت : أنا واتفاقهم على امتناع العمل بالعام قبل البحث عن المخصص مع إيجاب بعضهم اعتقاد وجوبه مشكل جدا ، إذ لا يظهر لوجوب اعتقاد عمومه فائدة إلا العمل به فعلا أو كفا ; فلو قيل لنا : قاتلوا الكفار ، أو اقتلوهم ، واعتقدنا عمومه ، وجب علينا العمل بموجبه في قتال الكفار حتى اليهود والنصارى ، إلى أن يأتي المخصص لهم . ولو قال الشارع : حرمت عليكم الميتة ، واعتقدنا عمومه ، وجب علينا أن نكف عن كل ميتة حتى السمك والجراد حتى يوجد المخصص لهما ، وإن لم يكن الأمر هكذا ، لم يكن لوجوب اعتقاد عمومه فائدة .

[ ص: 544 ] عدنا إلى الكلام على ما في " المختصر " .

قوله : " لنا " ، إلى آخره ، أي : لنا على وجوب اعتقاد العموم قبل ظهور المخصص ، وجوه :

أحدها : أن النسخ تخصيص في الأزمان كما أن تخصيص العام تخصيص في الأعيان ، ثم إن اعتقاد عموم اللفظ في الأزمان واجب حتى يظهر الناسخ ; فكذلك اعتقاد عمومه في الأعيان يجب أن يكون واجبا حتى يظهر المخصص ، فإذا قيل لنا : حرمت عليكم الميتة ; فهذا اللفظ يقتضي دوام التحريم في جميع زمن التكليف وهو العموم الزماني مع احتمال أنه يرفع في بعض الأزمنة بالنسخ ، ويقتضي أيضا تعلق التحريم بكل فرد من أفراد الميتة ، وهو العموم العيني مع احتمال أنه يسقط عن بعض الأعيان كالسمك والجراد ، ثم إنا في الأول لم نقل : إنا لا نعتقد دوام هذا التحريم في كل زمان لاحتمال ارتفاعه في بعض الأزمان بالنسخ ; فكذلك يجب أن لا نقول : إنا لا نعتقد تعلق التحريم بكل ميتة لاحتمال ارتفاعه عن بعض أفرادها بالتخصيص ، ولا نعني باعتقاد العموم إلا هذا .

الوجه الثاني : لو اعتبر في وجوب اعتقاد كون اللفظ عاما عدم المخصص ; لاعتبر في وجوب اعتقاد كونه حقيقة عدم المجاز بجامع [ ص: 545 ] الاحتمال فيهما ، إذ اللفظ يحتمل كونه مجازا ، وإن كان الأصل فيه الحقيقة ، كما أن العام يحتمل أنه للخصوص ، وإن كان الأصل ، والظاهر فيه العموم ، لكن اللفظ لا يشترط في اعتقاد حقيقته عدم المجاز ، كذلك العام لا يشترط في اعتقاد عمومه عدم المخصص .

الوجه الثالث : أن الظاهر العموم ، والأصل عدم المخصص ; فيستصحب حاله في العدم ; لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان ، فإن ظهر مخصص ، كان بطلان ذلك الاعتقاد خطأ في الاجتهاد ، وهو موضوع عن العباد كسائر خطأ الحكام والمجتهدين والأئمة .

قوله : " قالوا " ، إلى آخره . هذه حجة الخصم على عدم جواز اعتقاد التعميم والعمل به ، وتقريرها من وجهين :

أحدهما : أن " شرط العمل بالعام عدم المخصص " ; لأنه ينافيه ; فلا يجوز العمل بالعموم معه ، و " شرط العلم بالعدم الطلب " ، كما قلنا في طلب الماء لجواز التيمم ، ويلزم من ذلك أن لا يجوز العمل بالعام إلا بعد أن يطلب المخصص ; فلا يوجد ، وإذا لم يجز العمل بالعام ، لم يجز اعتقاد عمومه ، لما تقرر من أن اعتقاد العموم يوجب العمل بموجبه ; لأنه فائدته .

الوجه الثاني : أن وجود المخصص محتمل قطعا ; فالعمل بالعموم مع الاحتمال المذكور يكون خطأ .

[ ص: 546 ] قوله : " قلنا : عدمه " ، أي : عدم المخصص " معلوم بالاستصحاب " المذكور ; فيحصل شرط العمل بالعام " ومثله في التيمم ملتزم " ، أي : نلتزم في عدم الماء لإباحة التيمم ما التزمناه هاهنا ، وهو أنا لا نوجب طلب الماء ، ولا نشترطه لجواز التيمم ، بل نكتفي في عدمه باستصحاب حال فقده ، وهو أحد القولين عن الأمام أحمد رحمه الله ومذهب جماعة من الفقهاء ، ودليله قوله عز وجل : فلم تجدوا ماء فتيمموا [ المائدة : 6 ] ، وعدم الوجدان متحقق بمجرد الفقد بدون الطلب ، كقوله عز وجل : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا [ الكهف : 53 ] ، وقوله عز وجل : بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا [ الكهف : 58 ] ، أي : فقدوا هنالك المصرف والموئل ، وليس في الآية دليل على أنهم طلبوا ذلك ، فلم يجدوه ، ولا أن الطلب شرط في عدم وجدانهم له ، وقد أطلق عليه اسم الوجدان ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، وذلك يدل على أن الطلب ليس شرطا لعدم الوجدان في التيمم ولا غيره ، وحينئذ نقول : نكتفي في عدم الماء لجواز التيمم بالتراب باستصحاب حال فقده ، وفي عدم المخصص لوجوب اعتقاد عموم العام والعمل به باستصحاب حال فقده .

قولهم : وجود المخصص محتمل قطعا .

قلنا : نعم .

قولهم : فالعمل بالعموم مع احتمال المخصص يكون خطأ .

قلنا : لا نسلم ، وإنما يكون خطأ لو كان شرط العمل بالعام القطع بانتفاء [ ص: 547 ] المخصص ، وقد أبطلناه ، بل " ظن صحة العمل بالعام مع احتمال المخصص كاف ، وهو حاصل " .

قلت : المختار في المسألة ما ذكرته في أولها وهو أن اعتقاد عموم العام والعمل به واجب بمجرد وروده ، والدليل عليه ظاهر ، وقد ذكرناه ، والله تعالى أعلم بالصواب .

قوله : " وتخصيص العموم إلى أن يبقى واحد جائز ، وقيل : حتى يبقى أقل الجمع " .

اختلفوا فيما يجوز أن ينتهي إليه تخصيص العموم ; فقيل : يجوز إلى الواحد ، وقيل : لا يجوز النقصان من أقل الجمع . وحكاه الشيخ أبو محمد عن أبي بكر الرازي ، والقفال ، والغزالي ، وحكى الآمدي عن القفال تفصيلا ، وهو أن في " من " خاصة يجوز التخصيص إلى الواحد ، وفي غيرها من أدوات العموم يشترط بقاء ثلاثة . وحكي عن أبي الحسين البصري أنه لا بد وأن يبقى بعد التخصيص في جميع أدوات العموم عدد يقرب من الأول وإن لم يكن محدودا ، وإليه ميل إمام الحرمين .

وقال القرافي : يجوز التخصيص عندنا إلى الواحد ، وهو إطلاق القاضي عبد الوهاب ، وحكى الإمام إجماع أهل السنة على ذلك في من وما ونحوهما .

قال ، يعني الإمام : وقال القفال : يجب أن يبقى أقل الجمع في الجموع المعرفة . وقال أبو الحسين : لا بد من الكثرة في الكل إلا إذا استعمله الواحد المعظم في نفسه ، يعني فلا يعتبر بقاء الكثرة ; لأن المراد به في الأصل واحد ، [ ص: 548 ] كقوله عز وجل : أتينا بها وكفى بنا حاسبين [ الأنبياء : 47 ] .

قلت : صورة المسألة أنه إذا قال : اقتلوا المشركين ، هل يجوز أن يخص حتى لا يبقى مأمور بقتله إلا مشرك واحد ، أو يشترط أن يبقى ثلاثة أو ما يقارب المشركين المأمور بقتلهم في الكثرة ، وكذلك في قوله عليه السلام : ومن بدل دينه ; فاقتلوه . على التفصيل والخلاف المذكور .

قوله : " لنا " ، إلى آخره . هذا دليل المذهب الأول ، وهو جواز التخصيص إلى الواحد ، وتقريره أن " التخصيص تابع للمخصص ، والعام متناول للواحد " ، ويلزم من ذلك جواز التخصيص إليه .

أما أن التخصيص تابع للمخصص ; فلأنه حيث وجد المخصص اقتضى رفع ما يطابقه من العام ، بمعنى أنه تبين أن مدلوله غير مراد من العموم ; فيخرج عن الإرادة به .

وأما أن العام متناول للواحد ; فظاهر على ما سبق في بيانه لغة وحده اصطلاحا ، وهو الشمول والاستغراق .

وأما أنه يلزم من ذلك جواز التخصيص إلى الواحد ; فلأنه كلما ورد التخصيص بفرد من أفراد العام ، اقتضى أن ذلك الفرد غير مراد حتى ينتهي إلى الواحد ، وهو أقل ما يبقى من العام ، أو نقول : التخصيص بيان أن بعض [ ص: 549 ] العام غير مراد بالحكم ، والبعض المخصوص أعم من أن يكون أقل العموم أو أكثره أو نصفه ; فما عدا الواحد يصدق عليه اسم البعض ; فيجوز بيان أنه غير مراد ، وهو المطلوب .

قوله : قالوا : ليس بعام ، أي : قال المانعون للتخصيص إلى الواحد : إن الواحد ليس بعام ; فلا يجوز التخصيص إليه .

" قلنا : لا يشترط " أي : لا يشترط أن يكون الباقي بعد التخصيص عاما ، بل هو محال ; لأن العام هو المستغرق لجميع ما يصلح له ، فإذا خص بفرد واحد من أفراده ، يخرج عن كونه مستغرقا ; فلا يصح أن يبقى بعد ذلك عاما ، وكأنهم يريدون أن الواحد ليس بجمع أو ليس بكثير بناء على ما فهم من مذاهبهم ، أنه يشترط أن تبقى الكثرة على رأي أبي الحسين ، أو أقل الجمع على رأي الغزالي ومن تابعه ، وكل ذلك لا يشترط عملا بالدليل المذكور والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية