صفحة جزء
[ ص: 133 ]

واصطلاحا : قيل : العلم بالأحكام الشرعية الفرعية ، عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال .


قوله : " واصطلاحا " أي : والفقه في الاصطلاح يعني في اصطلاح العلماء من الأصوليين والفقهاء .

" قيل : العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال " ، إنما قلت : قيل ، لأن هذا التعريف ترد عليه الأسئلة المذكورة بعد ، فلم أرتضه لذلك ، وقد ذكرت الأشبه عندي فيه ، كما سيأتي إن شاء الله سبحانه وتعالى .

وهذا التعريف للفقه ، والتعريف السابق لأصول الفقه ، هما لابن الحاجب .

وقد تضمن هذا من الألفاظ التي ينبغي الاعتناء ببيانها ، لفظ " العلم " ، وقد وعدت قبل أن أبينه بعد ، ولفظ " الأحكام " ، وسيأتي بيانه عند ذكرهما . إن شاء الله تعالى .

ولفظ " الشرعية " و " الفرعية " وقد سبق بيانهما . بحمد الله تعالى .

" والتفصيلية " هي المذكورة على جهة التفصيل ، وهو تمييز أفراد الأحكام بعضها عن بعض فيما تختص به ، كقولنا : إذا سخن الماء ، فإما أن يسخن بطاهر ، فلا يكره ، أو بنجس ، فإما أن يتحقق وصول النجاسة إليه ، فيمنع منه ، أو لا يتحقق ، فإن كان الحائل بين الماء والنجاسة حصينا ، لم يكره ، وإلا كره ، وأشباه ذلك من الأحكام المفصلة .

وقد خطر لي هاهنا فائدة ، وإن لم تكن مما نحن فيه ، لكن لمناسبة اللفظ ، والحديث ذو شجون ، والشيء يذكر بالشيء ، وهي أن اجتهاد المجتهدين في الأحكام مقطوع به في كتاب الله عز وجل ، وذلك في قوله تعالى : وكل شيء فصلناه تفصيلا [ الإسراء : 12 ] ، فهذه قضية عامة تتناول الأحكام الشرعية ، لأنها أشياء ، [ ص: 134 ] فتقتضي أنها مفصلة في الشرع ، ثم إنا نرى كثيرا من الأحكام غير مفصل ، لا في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا في كلام الأئمة ، إذ قد تقع حوادث غرائب ، ليس لهم فيها كلام ، فدل على أن الله سبحانه وتعالى ، أحال بالتفصيل على مجتهدي كل عصر ، فكل مجتهد مطلق أو مقيد تمسك في حكم بما يصلح أن يتمسك به مثله في ذلك الحكم ، كان ما أفتى به حكما من الله تعالى ، وتفصيلا منه بمقتضى النص المذكور ، ولا يرد على هذا الاستدلال أن يقال : إن قوله : وكل شيء فصلناه عام مخصوص ، أو علمنا تفصيله ، وإن لم نذكره في الكتاب ، لكن هو تخصيص وتأويل يحتاج إلى دليل .

وأما " الاستدلال " ، فهو استفعال من دل يدل ، ومقتضاه بحسب اللغة طلب الدليل ، ثم قد يكون طلبه من المجتهد أو غيره ، إذا أراد معرفة الحكم ليعمل به ، أو يعلمه غيره ، وقد يكون من السائل للمستدل ، كقول الحنبلي للحنفي : ما الدليل على صحة الوضوء بدون النية ؟ والمراد به هاهنا الأول ، وهو طلب الحكم بالدليل من نص أو إجماع أو قياس .

وقد يطلق الاستدلال على ما أمكن التوصل به إلى معرفة الحكم ، وليس بواحد من الأدلة الثلاثة ، كما سيأتي عند ذكر الأدلة إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية