صفحة جزء
[ ص: 576 ] خاتمة : إذا تعارض عمومان من كل وجه متنا ، قدم أصحهما سندا ، فإن استويا فيه ، قدم ما عضده دليل خارج ، فإن فقد ; فالمتأخر ناسخ ، فإن جهل التاريخ ؛ توقف على مرجح . ويجب الجمع بينهما إن أمكن بتقديم أخصهما أو حمله على تأويل صحيح ، فإن كان كل منهما عاما من وجه ، خاصا من وجه نحو : " من نام عن صلاة أو نسيها ; فليصلها إذا ذكرها " . مع : " لا صلاة بعد العصر " ; فالأول : خاص في الفائتة ، عام في الوقت ، والثاني : عكسه ، ونحو : " من بدل دينه فاقتلوه " ، مع : " نهيت عن قتل النساء " ، تعادلا وطلب المرجح ، ويجوز تعارض عمومين من غير مرجح خلافا لقوم .


" خاتمة " ، أي : لبيان العام والخاص وهي في تعارض العمومين .

قوله : " إذا تعارض عمومان من كل وجه " ، إلى آخره ، أي : إذا تعارض نصان عامان ; فإما أن يتعارضا من كل وجه بحيث لا يمكن الجمع بينهما بوجه ، أو يتعارضا من بعض الوجوه بحيث يمكن الجمع بينهما بوجه ما .

فإن تعارضا من كل وجه في المتن " قدم أصحهما سندا " ; لأن ذلك مرجح له ; " فإن استويا فيه " ، أي : في السند ، فإن كانا صحيحين صحة متساوية ، [ ص: 577 ] " قدم ما عضده دليل خارج " ، من نص أو إجماع أو قياس ; " فإن فقد " الدليل الخارج ، فإن علم التاريخ ; " فالمتأخر ناسخ ، وإن جهل التاريخ ، توقف " ، الترجيح بينهما " على مرجح " .

وإن لم يتعارضا من كل وجه ، وجب الجمع بينهما بما أمكن من الطرق ، مثل أن يكون أحدهما أخص من الآخر ; فيقدم أخصهما لما سبق من وجوب تقديم الأخص ، أو بأن يحمل أحدهما على تأويل صحيح يجمع به بين الحديثين ، " فإن كان كل منهما عاما من وجه ، خاصا من وجه ، تعادلا وطلب المرجح " الخارجي .

ومن أمثلة ذلك قوله عليه السلام : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " ، مع قوله عليه السلام : " لا صلاة بعد العصر " . " فالأول خاص في الفائتة " المكتوبة ، " عام في الوقت ، والثاني عكسه " عام في الصلاة ، خاص في الوقت .

ومنها قوله عليه السلام : " من بدل دينه فاقتلوه " ، مع قوله : " نهيت عن قتل النساء " ; فالأول عام في الرجل والمرأة ، خاص في سبب القتل ، وهو [ ص: 578 ] التبديل ، والثاني خاص في النساء ، عام في النهي عن القتل ; فيتعادلان ويطلب المرجح .

قوله : " ويجوز تعارض عمومين من غير مرجح خلافا لقوم " . أما تعارض عمومين مع وجود المرجح ; فقد سبق بيان جوازه وحكمه ، وأما مع عدم [ ص: 579 ] المرجح ; فالأكثرون على جوازه عقلا ، إذ لا يلزم من فرض وقوعه محال لذاته ، وليس في الشرع ما يمنع منه ، ولأن فيه حكمة ، وهو امتحان المجتهد بطلب دليل الترجيح ; فيثاب بمجرد الطلب . ومنع جوازه قوم ; لأنه يؤدي إلى وقوع الشبه ، وهو منفر للناس عن الطاعة . ورد هذا بأن النسخ قد نفر منه طائفة من الكفار ، ولم يدل ذلك على بطلانه ، والله تعالى أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية