صفحة جزء
[ ص: 630 ] المطلق والمقيد

المطلق : ما تناول واحدا غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه نحو : ( فتحرير رقبة ) [ النساء : 92 ] ، " ولا نكاح إلا بولي " .

والمقيد : ما تناول معينا أو موصوفا بزائد على حقيقة جنسه نحو : ( شهرين متتابعين ) [ النساء : 92 ] ، وقد سبق أن الدال على الماهية من حيث هي هي فقط مطلق ; فالمقيد يقابله ، والمعاني متقاربة ، وتتفاوت مراتبه باعتبار قلة القيود وكثرتها ، وقد يجتمعان في لفظ واحد بالجهتين كرقبة مؤمنة قيدت من حيث الدين ، وأطلقت من حيث ما سواه ويقال : فعل مقيد ، أو مطلق باعتبار اختصاصه ببعض مفاعيله من ظرف ، ونحوه وعدمه .


قوله : " المطلق " ، هذا موضع الكلام في المطلق والمقيد ; فالمطلق : " ما تناول واحدا غير معين ، باعتبار حقيقة شاملة لجنسه ، نحو " ، قوله عز وجل : ( فتحرير رقبة ) [ المجادلة : 3 ] ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " لا نكاح إلا بولي " . فكل واحد من لفظ الرقبة والولي ، قد تناول واحدا غير [ ص: 631 ] معين ، من جنس الرقاب والأولياء . " والمقيد ما تناول معينا " ، نحو : أعتق زيدا من العبيد ; أو موصوفا بوصف زائد على حقيقة جنسه ، نحو : ( فتحرير رقبة مؤمنة ) [ النساء : 92 ] ، و ( فصيام شهرين متتابعين ) [ النساء : 92 ] ، وصف الرقبة بالإيمان ، والشهرين بالتتابع ، وذلك وصف زائد على حقيقة جنس الرقبة والشهرين ; لأن الرقبة قد تكون مؤمنة وكافرة ، والشهرين قد يكونان متتابعين وغير متتابعين .

- قوله : " وقد سبق " ، يعني في تعريف حد العام " أن اللفظ الدال على الماهية ، من حيث هي هي فقط " ، أي : بالنظر إلى تجردها عن كل عارض يلحقها ، من وحدة وتعدد ، وطول وقصر ، وصغر وكبر ، هو المطلق ، " فالمقيد يقابله " ، أي : يقابل المطلق بهذا التفسير ; لأنهما في الأصل متقابلان ، فإذا ظهر أن المطلق : هو اللفظ الدال على الماهية المجردة عن العوارض ، التي من شأنها أن يلحقها ، أو بعضها ; فالمقيد : هو اللفظ الدال على الماهية ، مع تلك العوارض ، أو بعضها .

وقال الآمدي : المطلق : هو النكرة في سياق الإثبات ، كقولنا : رجل ، [ ص: 632 ] والمقيد : ما كان من الألفاظ دالا على وصف مدلوله المطلق ، بصفة زائدة عليه ، كقولنا : رجل عالم ، وهذا معنى ما ذكرناه في المقيد .

- قوله : " والمعاني متقاربة " ، أي : معاني ما ذكرناه في المطلق والمقيد متقاربة ، لا يكاد يظهر بينها تفاوت ; لأن قولنا : رقبة ، هو لفظ تناول واحدا من جنسه ، غير معين وهو لفظ دل على ماهية الرقبة ، من حيث هي هي ، أي : مجردة عن العوارض ، وهو نكرة في سياق إثبات .

وقولنا : رقبة مؤمنة . هو لفظ ، تناول موصوفا بأمر زائد على ماهيته ، وهو لفظ ، دل على الماهية ، مع بعض عوارضها ، وهو لفظ دل على وصف مدلوله المطلق ، بصفة زائدة عليه ، وربما ظهر التفاوت بين هذه التعريفات ، عند تدقيق النظر ، بصورة نادرة ، أو خفية ، لكنا لم نسبر ذلك .

تنبيه : الإطلاق والتقييد ، يكونان تارة في الأمر ، نحو : أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة ، وتارة في الخبر ، نحو : " لا نكاح إلا بولي وشاهدين " " لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل . "

فائدة : الإطلاق والتقييد في الألفاظ : مستعاران منهما في الأشخاص ، [ ص: 633 ] يقال : رجل أو حيوان مطلق : إذا خلا من قيد ، أو عقال ، أو شكال ، ومقيد : إذا كان في رجله قيد ، أو عقال ، أو شكال ، أو نحو ذلك من موانع الحيوان من الحركة الطبيعية الاختيارية ، التي ينتشر بها بين جنسه .

فإذا قلنا : أعتق رقبة ; فهذه الرقبة شائعة في جنسها ، شيوع الحيوان المطلق بحركته الاختيارية بين جنسه .

وإذا قلنا : أعتق رقبة مؤمنة كانت هذه الصفة لها ، كالقيد المميز للحيوان المقيد ، من بين أفراد جنسه ، ومانعة لها من الشيوع ، كالقيد المانع للحيوان من الشيوع بالحركة في جنسه .

قوله : " وتتفاوت مراتبه " ، أي : مراتب المقيد في تقييده " باعتبار قلة القيود وكثرتها " فما كانت قيوده أكثر ; كانت رتبته في التقييد أعلى ، وهو فيه أدخل ; فقوله : أعتق رقبة مؤمنة ، مصلية ، سنية ، حنبلية ، أعلى رتبة في التقييد من قوله : أعتق رقبة مؤمنة .

وقوله سبحانه وتعالى : ( أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ) [ التحريم : 5 ] ، أعلى رتبة في التقييد من قوله : ( مؤمنات قانتات ) لا غير .

- وقوله عز وجل : ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله ) [ التوبة : 112 ] ، أعلى وأدخل في التقييد ، من اقتصاره على بعض الصفات المذكورة ; فكلما كثرت الأوصاف المخصصة ، المميزة للذات من [ ص: 634 ] غيرها ; كانت رتبة التخصيص والتقييد فيها أعلى .

- قوله : " وقد يجتمعان " ، يعني الإطلاق والتقييد قد يجتمعان في " لفظ واحد " باعتبار الجهتين ، كقوله تعالى : ( فتحرير رقبة مؤمنة ) [ النساء : 92 ] ، " قيدت من حيث الدين " ، بالإيمان ، " وأطلقت من حيث سواه " ، كالصحة والسقم ، والطول والقصر ، والنسب والبلد ; فهي مقيدة من جهة ، مطلقة من جهة .

وكذلك " يقال : فعل مقيد ، أو مطلق ، باعتبار اختصاصه ببعض مفاعيله ، من ظرف " زمان أو مكان ، ونحوه من المفاعيل ، كالمصدر ، والعلة ، والآلة ، ومحل الفعل ، وعدم اختصاصه بذلك .

ومثال هذا : ما سبق لنا في أن الأمر للفور والتكرار أم لا ؟ حيث قلنا : إن الأمر كقوله : صل ، مثلا ، مطلق بالنسبة إلى الزمان والمكان والآلة ، لا دلالة له على شيء منها بعينه ; فكذلك لا يدل على فور ولا تراخ ، ولا مرة ولا مرار .

وقد يقيد الفعل ببعض مفاعيله دون بعض ; فيكون مطلقا مقيدا ، بالإضافة إلى بعضها دون بعض ، كقوله : صم يوم الاثنين ; فالصوم مقيد من جهة ظرف الزمان ; مطلق من جهة ظرف المكان ، ولو قال : صم في مكة يومين لكان على العكس من ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية