صفحة جزء
[ ص: 766 ] الرابعة : تخصيص وصف غير قار بالحكم ، نحو : الثيب أحق بنفسها - حجة ، وهو قول أكثر الشافعية لذلك خلافا للتميمي ، وأكثر الفقهاء والمتكلمين لاحتمال الغفلة عن غير وصف المذكور بخلاف ما قبله .

الخامسة : تخصيص نوع بحكم ، نحو : لا تحرم المصة ولا المصتان ، و ليس الوضوء من القطرة والقطرتين . يدل على مخالفة ما فوقه له ، وبه قال مالك ، وداود ، وبعض الشافعية خلافا لأكثرهم ولأبي حنيفة .

السادسة : تخصيص اسم بحكم ، والخلاف فيه كالذي قبله ، وأنكره الأكثرون مشتقا كان أو غير مشتق ، وإلا لمنع التنصيص على الأعيان الستة جريان الربا في غيرها والله أعلم .


" الرابعة " : يعني من درجات دليل الخطاب " تخصيص وصف غير قار بالحكم " ، أي : إن تعلق الحكم على وصف لا يستقر ، بل يطرأ ويزول ، كالسوم والثيوبة في قولنا : في السائمة الزكاة ، و البكر تستأذن والثيب أحق بنفسها - فمفهومه " حجة " عندنا ، وعند " أكثر الشافعية لذلك " ، أي : طلبا لفائدة التخصيص كما مر ، " خلافا للتميمي " من أصحابنا " وأكثر الفقهاء والمتكلمين " في أنه ليس حجة .

قالوا : " لاحتمال الغفلة عن غير وصف المذكور ، بخلاف ما قبله " . وهذا منهم فرق بين هذا المفهوم والذي قبله ، وهو تعقيب الاسم العام بصفة خاصة .

[ ص: 767 ] وتقرير الفرق في هذا المكان : يحتمل أن يغفل المتكلم عن ضد الوصف الذي علق عليه الحكم ، كالبكارة في قوله : البكر تستأذن . يحتمل أنه غفل حينئذ عن الثيوبة ، فلم تخطر بباله ، حتى يقصد نفي الاستئذان عنها ، وكذا قوله : الثيب أحق بنفسها . يحتمل أن البكر لم تخطر له ، حتى يقصد نفي أحقيتها بنفسها عنها . وإذا قال : السائمة تجب فيها الزكاة ، يحتمل أن المعلوفة لم تخطر له حتى ينفي وجوب الزكاة عنها . وحينئذ لا يكون قصد المتكلم نفي الحكم عن المسكوت عنه ظاهرا ، وإن كان ظاهرا ، لكن ظهورا ضعيفا ، لمعارضة الاحتمال المذكور له ، بخلاف ما قبل هذا المفهوم ، وهو ذكر الاسم العام ، وتعقيبه بذكر الصفة الخاصة ، نحو : في الغنم السائمة الزكاة . فإن الاحتمال المذكور منتف ههنا قطعا ; لأنه لما نطق بلفظ الغنم العام في السائمة وفي غيرها ، لزم استحضار الصنفين في ذهنه ، وإلا كان متكلما بما لا يتصور ; فيكون هذرا من القول ، ككلام المجنون ونحوه ، وإذا لزم استحضار المعلوفة في ذهنه ، لزم أن تقييده بالسائمة بعد ذلك احتراز عن المعلوفة ، وأنه قصد نفي الحكم عنها . فهذا تقرير الفرق بين منكري هذا المفهوم .

والجواب : أن ما ذكرتموه ; وإن كان متجها ، لكنه لا يمنع أن تعليق [ ص: 768 ] الحكم على الوصف غير القار ، كالبكارة والثيوبة ، والسوم المجرد ، ظاهر في قصد المتكلم نفي الحكم عن ضده المسكوت عنه ; لأن الشيء يذكر بضده غالبا ، وإن كان قصد نفي الحكم عن المسكوت عنه ظاهرا كفى في التمسك به ; لأن مناط أحكام الفروع الظهور وغلبة الظن ، ولذلك علقت على الأمارات ، وثبتت بقياس الشبه عند قوم ، وهذا المفهوم أقوى منه .

بقي الحاصل من فرقكم المذكور ، أن مفهوم تعقيب الاسم العام بصفة خاصة ، نحو : في الغنم السائمة الزكاة ، أظهر من مفهوم الوصف المجرد غير القار ، لكن لا يقدح ذلك في صحة التمسك به ، لجواز التمسك بالظاهر ، والأظهر ، والقاطع ، كخبر الواحد ، والخبر المستفيض ، والمتواتر ، وكقياس الشبه ، وقياس الدلالة ، وقياس العلة ، وكالإجماعات ، مع أن بعضها ظاهر ، كالسكوتي وبعضها قاطع كالنطقي التواتري ، والله أعلم .

" الخامسة " : - مفهوم العدد - يعني من درجات دليل الخطاب تخصيص نوع من العدد " بحكم ، نحو " قوله عليه السلام : لا تحرم المصة ولا المصتان . يعني في الرضاع ، ليس الوضوء من القطرة والقطرتين يدل على مخالفة ما فوقه له ، يعني تحريم ثلاث رضعات ووجوب الوضوء من ثلاث قطرات .

[ ص: 769 ] وهذا على جهة المثال ، وإلا ففي الحديث : إنما الوضوء من كل دم سائل . وقد لا يسيل الدم بثلاث قطرات ; فهذا يسمى مفهوم العدد ، وهو قول " مالك ، وداود ، وبعض الشافعية ، خلافا لأكثرهم " ، يعني أكثر الشافعية " ولأبي حنيفة " .

قال الشيخ أبو محمد : والكلام عليه تقدم .

قلت : ولم أستحضر أنه قدم الكلام في " الروضة " في خصوص مفهوم العدد ; فأحسبه أحال به على ما سبق من الكلام في سائر المفهومات ، وكذلك فعل الآمدي في " المنتهى " ; لأن الباب واحد ، فإن تخصيص مقدار من العدد بحكم ، كتخصيص صفة من الصفات بحكم ; فالأول من باب الكم والثاني من باب الكيف ، وهما داخلان في المقولات العشر ، أو تحت جنس ما من الأجناس ، ولو جنس الأعراض .

[ ص: 770 ] وقد يحتج على مفهوم العدد ، بأن الله تعالى لما قال : إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم [ التوبة : 80 ] ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لأزيدن على السبعين ; فنزلت : سواء عليهم أأستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم [ المنافقون : 6 ] ; فوجه دلالته : أن النبي صلى الله عليه وسلم ; فهم أن حكم ما فوق السبعين مخالف لما قبلها ، وهو أعلى أهل اللغة رتبة فيها ; فدل على صحة ما ذكرناه ، وللخصم عليه اعتراضات .

ومما يدل على صحة مفهوم العدد بالخصوص وغيره من المفاهيم على العموم ، ما حكي ، ورأيته في غير موضع من كتب أهل العلم ، وتصانيف أهل الأدب ، أن معاوية - رحمه الله - استعمل عاملا أحمق ، فذكر المجوس يوما ; فقال قائل : لعن الله المجوس ، ينكحون أمهاتهم ، والله لو أعطيت مائة ألف درهم ما نكحت أمي . فبلغ ذلك معاوية ; فقال : قاتله الله ، أتراه لو زيد [ ص: 771 ] على مائة ألف ، كان يفعل . مع أن معاوية من اللغة والفصاحة بمكان .

فائدة : تحقيق الكلام في مفهوم العدد : أن الحكم إذا قيد بعدد مخصوص ; فمنه ما يدل على ثبوت الحكم فيما زاد على ذلك العدد بطريق الأولى ، ولا يدل على ثبوته فيما نقص عنه ، ومنه ما هو بضد ذلك .

فالأول : كقوله عليه السلام : إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث . دل بطريق الأولى على أن ما زاد على القلتين لا يحمل الخبث ، ولم يدل على ذلك فيما دون القلتين .

والمثال الثاني : إذا قيل : اجلدوا الزاني مائة جلدة ، دل بطريق الأولى على وجوب جلده تسعين وما قبلها من مقادير العدد لدخوله في المائة بالتضمن ، ولم يدل على الزيادة على المائة ; فما لم يدل عليه التقييد بطريق الأولى ، كالناقص عن القلتين ، والزائد عن مائة سوط - هو محل النزاع في مفهوم العدد ; لأن ما يفهم بطريق الأولى يكون من باب مفهوم الموافقة ; فلا يتجه فيه الخلاف ، والله تعالى أعلم .

" السادسة " : مفهوم اللقب ، يعني من درجات مفهوم الخطاب " تخصيص اسم بحكم ، والخلاف فيه كما في الذي قبله " ، يعني هو كالذي قبله في وقوع الخلاف فيه ، " وأنكره الأكثرون " ، ويسمى مفهوم اللقب .

قال الآمدي : ليس بحجة ، خلافا للحنابلة ، والدقاق من الشافعية .

[ ص: 772 ] وصورتها : إذا علق الحكم باسم جنس ، كتخصيص الربويات الستة بتحريم التفاضل ، أو اسم علم كقولك : زيد عالم .

قلت : فجعل اسم الجنس والعلم من باب مفهوم اللقب .

وقال القرافي : قال التبريزي : واللقب كالأعلام ، وجعلها الأصل ، وألحق بها أسماء الأجناس . قال : وغيره - يعني غير التبريزي ، - أطلق في الجميع .

قلت : كأنه أشار إلى الآمدي وغيره ، ممن أطلق مفهوم اللقب على مفهوم الجنس والعلم .

قوله : " مشتقا كان أو غير مشتق " ، يعني الاسم الذي علق عليه الحكم ، سواء كان مشتقا ، نحو : لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل . فإن الطعام مشتق من الطعم ، " أو غير مشتق " ، كالحنطة ، والشعير ، والتمر ، والملح ، والذهب والفضة في حديث عبادة وغيره ، وهو المشار إليه بالأعيان الستة الربوية ; فإن مفهومه حجة ، وهو قول الدقاق .

قوله : " وإلا لمنع التنصيص على الأعيان الستة ، جريان الربا في غيرها " . هذا حجة لمنكري مفهوم اللقب ، وهم الأكثرون ; لأنه يلي ذكرهم ، أي : وأنكره الأكثرون ، وإلا لمنع ، إلى آخره .

تقريره : لو كان مفهوم اللقب حجة ، لمنع التنصيص على تحريم الربا في [ ص: 773 ] الأعيان الستة ، من أن يجري الربا في غيرها ; لأن معتمد القائلين به ما سبق من طلب فائدة تخصيصه بالذكر ، والأعيان الستة قد خصت بالذكر في تحريم الربا فيها ; فكان يلزم أن لا يثبت الربا في غيرها ، لكنه باطل ، إذ قد ثبت في كل ما وجدت فيه علتها ، على الاختلاف فيها ، كالذرة ، والسمسم ، وأشباهها من المكيلات ، والحديد ، والرصاص ، والنحاس ، وغيرها من الموزونات ، والفواكه ، وغيرها من المطعومات ، وذلك يدل على أن مفهوم اللقب ليس بحجة . وقد سبق أن الغزالي جعل مفهوم اللقب أول مراتب دليل الخطاب ، قال : وهو أبعدها ، وقد أقر ببطلانه كل محصل ، كتخصيص الأشياء الستة في الربا ، ثم قال : الرتبة الثانية : الاسم المشتق الدال على جنس ، نحو : " لا تبيعوا الطعام " . قال : فيظهر إلحاقه باللقب ; لأن الطعام لقب لجنسه ، أي : بالنظر إلى جنسه ، كالحنطة والشعير ، وإن كان مشتقا مما يتطعم ، كالغنم والماشية ; فلا يدرك تفرقة بين قوله : في الغنم الزكاة . وبين قوله : " في الماشية الزكاة " . وإن كانت مشتقة من المشي مثلا .

ومما احتج به منكرو مفهوم اللقب وجوه :

أحدها : أنه لو كان حجة ، لبطل القياس مطلقا ، أو غالبا ، أو كثيرا ، إذ هو تعدية حكم المنصوص عليه إلى غيره ، بالجامع المشترك ; فلو صح مفهوم اللقب ; لكان النص على الأصل مفيدا انتفاء الحكم عن غيره ; فلا يصح الإلحاق القياسي .

[ ص: 774 ] وأجيب عنه : بأن المتبع في الأحكام ، الأرجح فالأرجح ، ولا يمنع أن يفيد القياس من الظن أرجح مما يفيده المفهوم ; فيقدم ، كما يقدم خبر الواحد على القياس ، وكما في تخصيص العموم والعلة .

الوجه الثاني : لو كان مفهوم اللقب حجة ، لكان القائل : عيسى رسول الله ، كافرا ، لدلالته على نفي الرسالة عن بقية الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

وأجيب عنه : بأنه إن تنبه لمفهوم لفظه هذا ، وأراده ، حكم بكفره ، لكن المتكلم قد لا يتنبه لفحوى خطابه ، خصوصا هذا المفهوم ; فإنه وإن احتج به ، لكنه من أضعف المفهومات ، وبتقدير أن يتنبه له ; فقد لا يريده .

الوجه الثالث : لو كان مفهوم اللقب حجة ، لكان قول القائل : زيد يأكل . نافيا للأكل عن غير زيد .

وأجيب بالتزامه ، وإنما لا يفهم ذلك منه من لا يعتقد صحة مفهوم اللقب ، أو لدليل خارج .

أما معتمد القائلين بمفهوم اللقب ; فهو ما سبق من أن المنطوق به لو شارك المسكوت عنه في الحكم ، لبطلت فائدة تخصيصه بالذكر ، فإن بين الخصم لتخصيصه بالذكر فائدة غير اختصاصه بالحكم . قلنا : لا منافاة في ذلك ، ويكون اختصاصه بالحكم من جملة فائدته تكثيرا لها ، كما سبق في مفهوم الصفة .

نعم ، هذا المفهوم ضعيف جدا ; فلذلك ألغاه الخصم عن درجة الاعتبار ، وسبب ضعفه أن الصفة والشرط ، ونحوه من الكلام ، مشعر بالتعليل في [ ص: 775 ] المنطوق به ، وانتفاء العلة في المسكوت عنه يقتضي انتفاء الحكم فيه ، بخلاف اللقب ; فإنه لجموده ، ضعف ظهور التعليل فيه ، لكن ضعفه لا يدل على الغاية بالكلية ; لأن ضعفه بالإضافة إلى ما هو أقوى منه ، أما هو في نفسه ; فقوي يصلح للعمل .

قلت : الأشبه الذي تسكن النفس إليه أنه ليس بحجة ، وأنه في المفهومات كالحديث الضعيف في المنطوقات ، والقياس الشبهي في الأقيسة .

فائدة : اتفق القائلون بالمفهوم على أن ما ظهر سبب تخصيصه للمنطوق بالذكر لا مفهوم له ، كوقوعه جوابا لمن سأل عنه ، أو خروجه مخرج الأعم الأغلب .

أما الأول ; فكما قيل : أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : توضئوا من لحوم الإبل ; فلا يدل على أن غير لحوم الإبل لا يتوضأ منه ، إذ النواقض كثيرة ، وسبب ذلك : أن السائل هو الذي ذكر المتكلم بالمنطوق به ، لسؤاله عنه ; فلا يظهر كونه تصور المسكوت عنه ، وقصده بنفي الحكم .

وأما الثاني : وهو الخارج مخرج الغالب ، ومعناه أن تكون الصفة المقيد بها غالبة على الموصوف ، نحو قوله تعالى : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا [ النساء : 35 ] ، إذ خوف الشقاق غالب حال الخلع ، وقوله عز وجل : وربائبكم اللاتي في حجوركم [ النساء : 23 ] ، إذ الغالب كون الربيبة في حجر الرجل تبعا لأمها ، وقوله تعالى : ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق [ الإسراء : 31 ] ، أي : فقر وإقتار ، إذ الغالب أن قتل الولد إنما يكون لضرورة ، [ ص: 776 ] كضرورة الفقر وقلة المعاش ، وكذلك كانت العرب تفعل في الموءودة ، وغيرها من الأولاد ، يقتلونهم خوف العار والحاجة ، والتضييق عليهم ، ولذلك قال منكرو مفهوم اللقب : لا مفهوم لقوله عليه السلام : صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء ، وقوله في حديث أسماء : ثم اقرصيه بالماء بحيث يتعين الماء لإزالة النجاسة ، ولا مفهوم لقوله عليه السلام : فليذهب معه بثلاثة أحجار بحيث يتعين جنس الحجر ; لأن الماء والحجر غالبان في إزالة النجاسة ، والاستنجاء ، والاستجمار . أما فهم عدم جواز الاقتصار على ما دون الثلاثة ; فهو من باب مفهوم العدد ، ولذلك أورد على من اشترط السوم في زكاة الماشية ، أن قوله عليه السلام : في سائمة الغنم الزكاة خرج مخرج الغالب ، إذ الغالب على أغنام الحجاز وغيرها السوم ; فلا مفهوم له .

ووجه كون التقييد بالصفة الغالبة لا مفهوم له : بأن الصفة إذا غلبت [ ص: 777 ] على الموصوف ، لزمتها في الذهن ; فكان استحضار المتكلم لها لغلبتها ، لا لقصد تقييد الحكم بها ، وإذا لم تغلب الصفة على موصوفها ، ظهر أن استحضار المتكلم الحكم بها ، لا لغلبتها ولزومها للحقيقة الموصوفة بها . وعارض الشيخ عز الدين بن عبد السلام هذا التوجيه بعكسه ، وهو أن الصفة إذا غلبت ، كان ثبوتها للحقيقة معلوما بالغلبة ، وعرف الاستعمال ; فلا حاجة إلى تعريف ذلك باللفظ ، وحينئذ يظهر أن ذكر المتكلم لها تقييد للحكم بها ، بخلاف الصفة غير الغالبة ، فإن العلة لما لم يفد ثبوتها للحقيقة ، أمكن أن يقال : إن ذكر المتكلم لها تعريفا للسامع بثبوت هذه الصفة لهذه الحقيقة ، لا لتقييد الحكم بها ، وهي معارضة جيدة ، وجوابها ما سبق ، وهو أقوى منها .

خاتمة : ذكر الآمدي أن مفهوم المخالفة المسمى دليل الخطاب عشرة أصناف :

أحدها : اقتران الاسم العام بالصفة الخاصة ، نحو : في الغنم السائمة زكاة .

الثاني : مفهوم الشرط والجزاء ، نحو : إذا أتاكم كريم قوم ; فأكرموه .

الثالث : مفهوم الغاية ، نحو : ولا تقربوهن حتى يطهرن [ البقرة : 222 ] .

[ ص: 778 ] الرابع : مفهوم إنما ، نحو : إنما الولاء لمن أعتق .

الخامس : مفهوم التخصيص بالأوصاف التي تطرأ وتزول ، نحو : في السائمة زكاة .

السادس : مفهوم اللقب ، كتخصيص الأشياء الستة بتحريم الربا .

السابع : مفهوم اسم الجنس المشتق ، كقوله : لا تبيعوا الطعام بالطعام ، وهو قريب من مفهوم اللقب لكون الطعام لقبا لجنس .

الثامن : مفهوم الاستثناء كقوله تعالى : لا إله إلا الله [ الصافات : 35 ، محمد : 19 ] ، وقول القائل : لا عالم في البلد إلا زيد .

التاسع : مفهوم تعليق الحكم بعدد خاص ، كتخصيص حد القذف بثمانين .

العاشر : مفهوم حصر المبتدأ في الخبر ، نحو : العالم زيد .

قال : ومستند القائلين بالمفهوم : إنما هو النظر إلى فائدة تخصيص محل النطق بالذكر .

وذكرها القرافي أيضا عشرة :

أحدها : مفهوم العلة ، نحو : ما أسكر فهو حرام .

ومفهوم الصفة ، نحو : في سائمة الغنم الزكاة . والفرق بينهما أن العلة [ ص: 779 ] في الأول عين المذكور ، وهو الإسكار ، وفي الثاني السوم ليس علة ، بل مكمل للعلة وهي الغنى .

ومفهوم الشرط ، نحو : من تطهر صحت صلاته .

ومفهوم الاستثناء ، والغاية ، والحصر ، وأمثلتها ظاهرة ، وقد سبقت .

ومفهوم الزمان والمكان ، نحو : سافرت يوم الجمعة ، وجلست أمام زيد .

ومفهوم العدد . ومفهوم اللقب ، وهو تعليق الحكم على مجرد أسماء الذوات ، نحو : " في الغنم الزكاة " . وهو أضعفها ، وبين القولين تفاوت لا يخفى ، وإنما ذكرتهما تدريبا للناظر بتغاير العبارات ، واختلاف القرائح ، وضرب الأمثلة ، ولذلك تأثير في الفهم .

قلت : الضابط في باب المفهوم : أنه متى أفاد ظنا عرف من تصرف الشرع الالتفات إلى مثله ، خاليا عن معارض ، كان حجة يجب العمل به ، والظنون المستفادة من دليل الخطاب متفاوتة بتفاوت مراتبه ، ومن تدرب بالنظر في اللغة ، وعرف مواقع الألفاظ ، ومقاصد المتكلمين ، سهل عنده إدراك ذلك التفاوت ، والفرق بين تلك المراتب ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية