صفحة جزء
[ ص: 186 ]

وفي تكليف المميز ، قولان : الإثبات ، لفهمه الخطاب . والأظهر النفي ، إذ أول وقت يفهم فيه الخطاب ، غير موقوف على حقيقته ، فنصب له علم ظاهر يكلف عنده ، وهو البلوغ .

ولعل الخلاف في وجوب الصلاة والصوم عليه ، وصحة وصيته وعتقه وتدبيره وطلاقه وظهاره وإيلائه ونحوها ، مبني على هذا الأصل .


قوله : " وفي تكليف المميز ، قولان " عن أحمد :

" الإثبات " أي : أحد القولين ، إثبات تكليفه ، لأنه يفهم الخطاب ، ولذلك سمي مميزا ، لأنه يميز الأقوال والأفعال بعضها من بعض ، خيرا وشرا ، وجيدا ورديئا .

والتمييز : التخليص والتفصيل ، ولهذا قال ابن جني في " اللمع " : التمييز : تخليص الأجناس بعضها من بعض ، ويقال : ميزت هذا من هذا ، أي : أفرزته عنه ، وفصلته منه ، فإذا فهم المميز الخطاب ، كان مكلفا ، كالبالغ .

" والأظهر " يعني من القولين ، " النفي " يعني : نفي تكليف المميز ، " إذ أول وقت يفهم فيه الخطاب ، غير موقوف على حقيقته ، فنصب له علم ظاهر يكلف عنده ، وهو البلوغ " .

قلت : هذا توجيه ظاهر ، وأزيده كشفا بأن نقول : العقل قوة غريزية ، يدرك بها الكليات وغيرها ، وهو يوجد بوجود الإنسان ، ثم يتزايد بتزايد البدن تزايدا تدريجيا خفيا عن الحس ، كتزايد الأجسام النباتية والحيوانية في النماء ، وضوء الصبح ، وظل الشمس ، ونحوها من المتزايدات الخفية ، فلا يمكن الوقوف على أول [ ص: 187 ] وقت يفهم فيه الخطاب ، فجعل الشرع بلوغه علما ظاهرا على أهليته للتكليف ، وضابطا له .

وعلامات البلوغ : الاحتلام ، أو الإنبات ، أو استكمال خمس عشرة سنة ، كما ذكر في الفقه ، يعني من أحكامه المختلف فيها .

قوله : " ولعل الخلاف في وجوب الصلاة والصوم عليه ، وصحة وصيته وعتقه ، وتدبيره وطلاقه ، وظهاره وإيلائه ، ونحوها " يعني : من أحكامه المختلف فيها " مبني على هذا الأصل " ، أي : على أنه مكلف ، أو لا .

وكل هذه الأحكام ، مختلف فيها بين أهل العلم في حق الصبي على تفاصيل ذكرت في الفقه ، فإن ثبت بالاستقراء أو غيره ، أن الخلاف فيها مبني على الأصل المذكور ، فقد تبعت الفروع أصلها ولا كلام ، وإن ثبت في حقه شيء منها ، مع القول بأنه غير مكلف ، كان ذلك من باب ربط الحكم بالسبب ، كما سبق في الزكاة والغرامة في ماله .

التالي السابق


الخدمات العلمية