صفحة جزء
[ ص: 323 ] واختلف في اطراد العلة ، وهو استمرار حكمها في جميع محالها ، واشترطه القاضي وبعض الشافعية ، خلافا لبعضهم ، ولمالك ، والحنفية ، وأبي الخطاب ، فتبقى بعد التخصيص حجة كالعموم .

وقيل : مع المانع ، إحالة لتخلف الحكم عليه .

وقيل : المنصوصة دون المستنبطة لضعفها ، وقيل غير ذلك .

الأول : تخلف حكمها عنها يدل على عدم عليتها .

الثاني : علل الشرع أمارات لا مؤثرات ، فلا يشترط فيها ذلك .


قوله : " واختلف في اطراد العلة ، وهو استمرار حكمها في جميع محالها " أي : وجود حكمها في كل محل وجدت فيه ، كوجود التحريم حيث وجد الإسكار ، " فاشترطه القاضي " أبو يعلى " وبعض الشافعية خلافا لبعضهم " أي : لبعض الشافعية " ولمالك والحنفية وأبي الخطاب ، فتبقى " أي : فعلى قول هؤلاء في عدم اشتراط اطرادها تبقى بعد تخصيصها " حجة كالعموم " .

" وقيل : مع المانع " أي : قال بعض الأصوليين : إنما تكون حجة بعد التخصيص مع المانع في الفرع ، أي : إن وجد في الفرع مانع يمنع تعدي الأصل إليه ، كانت حجة بعد التخصيص " إحالة لتخلف الحكم " على المانع ، لا عدم صلاحية الوصف للعلية استصحابا لحال دليل العلية ، كالقتل العمد العدوان حيث لم يوجب القود على الأب لمانع الأبوة ، لا لعدم صلاحية القتل المذكور للمقتضي .

[ ص: 324 ] " وقيل : المنصوصة " أي : وقيل : إنما يجوز تخصيص " المنصوصة دون المستنبطة " والفرق بينهما ضعف المستنبطة ، وقوة المنصوصة بالنص ، فلا يخرجها التخصيص عن العلية لقوتها .

" وقيل غير ذلك " : إشارة إلى تفصيل ذكره الأصوليون غير هذا ، منهم الآمدي وغيره ، وهو طويل لم أذكره لطوله ، والمشهور ما ذكر في " المختصر " وهو أربعة مذاهب .

ثالثها : إن وجد المانع في صورة النقض ، قدح في العلية ، وإلا فلا .

ورابعها : إن كانت منصوصة ، لم يقدح التخصيص في عليتها ، وإلا فلا .

قوله : " الأول " أي : احتج الأول ، وهو الذي اشترط اطرادها بأن قال : " تخلف حكمها عنها يدل على عدم عليتها " أي : على عدم كونها علة لوجهين :

أحدهما : أن انتفاء الحكم لانتفاء علته موافق للأصل ، وانتفاءه مع وجود علته على خلاف الأصل ، وحمل الأشياء على وفق الأصل أولى من حملها على خلافه .

الثاني : أن الوصف من حيث هو هو إما أن يكون مستلزما للعلية أو لا ، فإن كان مستلزما للعلية لزم وجود الحكم معه في جميع صوره ، وإن لم يكن مستلزما لها لم يكن علة حتى ينضاف إلى غيره ، والتقدير أنه علة . هذا خلف .

" الثاني " : أي : احتج القائل الثاني ، وهو الذي أجاز تخصيصها ، وتخلف حكمها عنها في بعض صورها بأن قال : " علل الشرع أمارات لا مؤثرات " [ ص: 325 ] وإذا كانت أمارات لم " يشترط فيها ذلك " لأن الأمارة لا يجب وجود حكمها معها أبدا ، بل يكفي وجوده معها في الأغلب الأكثر ، كالغيث الرطب أمارة على المطر; وإن تخلف عنه في بعض الأوقات ، وكون مركوب القاضي على باب الأمير أمارة على أنه عنده ، وإن اختلف ذلك في بعض الصور .

قلت : قد تعارض هنا أصلان ، فخرج الخلاف لملاحظتهما ، وذلك لأن فرض المسألة فيما إذا قام دليل على الوصف بطريق من طرقه الاستنباطية من مناسبة أو غيرها ، وإذا كان الفرض ذلك ، فالأصل فيما كان مناسبا وقام دليل عليته في صورة ما أن يكون علة ، وتخلف الحكم عنه في صورة يحتمل أنه لفوات شرط ، أو وجود مانع ، فلا يلغى لأجله وصف قام دليل عليته . وهذا الأصل معارض بما سبق من أن الأصل انتفاء الحكم لانتفاء سببه . أما وجود المانع ونحوه في صورة النقض; فالأصل عدمه ، فلا تعارض ، فلما تعارض هذان الأصلان ، اتجه المذهبان .

وحجة المذهب الثالث - وإن كنا قد أشرنا إليها وإلى حجة الرابع أيضا فيما سبق - : هو أن قيام المانع في صورة النقض صالح لإحالة تخلف الحكم عليه ، فلا وجه للحكم لانتفاء العلية مع قيام دليلها ، بخلاف ما إذا لم يقم مانع ، فإن إحالة تخلفه على عدم العلية متجه على وفق الأصل .

[ ص: 326 ] مثاله : أن شرب الخمر علة وجوب الحد قد تخلف في صورة الإكراه ، أحلنا تخلفه عليه ، لأنه مانع ، أما لو تخلف وجوب الحد في الشرب في حالة الاختيار ، ولم يكن ثم مانع غير الإكراه ولا انتفاء شرط ، دل على عدم صلاحية الشرب لإيجاب الجلد ، إذ ليس هناك ما يصلح أن يحال تخلف الحكم عليه غيره .

وحجة المذهب الرابع أن العلة إذا كانت منصوصة أو مجمعا عليها ، تعين الانقياد لنص الشارع والإجماع المعصومين ، ولم يؤثر في ذلك تخلف الحكم عنها في صورة ما ، لأن النص والإجماع يفيدان من ظن الصحة أكثر مما يفيد التخصيص من ظن البطلان ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية