صفحة جزء
[ ص: 350 ] تنبيه : إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق مقطوع به ومظنون :

فالأول ضربان :

أحدهما أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم ، وشرطه ما سبق ، نحو : إذا قبل شهادة اثنين فثلاثة أولى ، وإذا لم يصح بالعوراء فبالعمياء أولى ، بخلاف إذا ردت شهادة الفاسق ، ووجبت الكفارة في الخطأ ، فالكافر والعمد أولى ، فإنه مظنون لإمكان الفرق بما سبق .

الثاني : أن يستويا كسراية العتق في العبد ، والأمة مثله ، وموت الحيوان في السمن ، والزيت مثله ، وهو راجع إلى أن لا أثر للفارق ، وطريق الإلحاق لا فارق إلا كذا ، ولا أثر له ، أو يبين الجامع وجوده في الفرع ، وهو المتفق على تسميته قياسا ، وفيما قبله خلاف ، نحو : السكر علة التحريم ، وهو موجود في النبيذ ، وإثبات الأولى بالشرع فقط ، إذ هي وضعية ، والثانية بالعقل والعرف والشرع .

والمظنون ما عدا ذلك .


تنبيه : إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق " إلى آخره ، يعني القياس على ضربين : " مقطوع به ومظنون " أي : مساواة الفرع للأصل ، تارة تكون قطعية ، وتارة تكون ظنية ، " فالأول " وهو المقطوع به على ضربين أيضا :

" أحدهما : أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم " وهو فحوى الخطاب ، ومفهوم الموافقة ، " وشرطه ما سبق " في موضعه ، نحو " قولنا : " إذا قبل شهادة [ ص: 351 ] اثنين " فشهادة " ثلاثة أولى " لأن الاثنين فيهم وزيادة ، " وإذا لم يصح بالعوراء ، فبالعمياء أولى " لأن في العمياء العوراء أو معناها وزيادة . وكذلك إذا لم يصح بالعرجاء ، فمقطوعة الرجلين أولى ، وكقوله - عليه السلام - : أدوا الخيط والمخيط فوجوب رد ما هو أكثر من ذلك من الغنيمة أولى ، وهو كقوله - عز وجل - : ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك [ آل عمران : 75 ] ، فعدم رد القنطار أولى ، وقوله - عليه السلام - : العينان وكاء السه ، فإذا نامت العينان ، استطلق الوكاء فأثبت نقض الوضوء بالنوم; فبسائر مزيلات العقل كالجنون والإغماء والسكر أولى . وقد سبق الخلاف في تسمية هذا قياسا ، وهو " بخلاف " قولنا " : " إذا ردت شهادة الفاسق " فشهادة الكافر أولى بالرد ، لأن الكفر فسق وزيادة ، وإذا " وجبت الكفارة في " قتل " الخطأ " ففي العمد أولى ، لأن فيه ما في الخطأ وزيادة العدوان ، وإذا أخذت الجزية من الكتابي ، فمن الوثني أولى ، لأن فيه ما في الكتابي من الكفر مع زيادة كفر وجهل ، فإن هذا القبيل " مظنون لإمكان الفرق " في نظر المجتهد بين الفاسق والكافر في الشهادة ، وبين الخطأ والعمد في الكفارة " بما سبق " في فحوى الخطاب ، وبين الكتابي والوثني بأن قبول الجزية نوع احترام وتخفيف ، وذلك مما لا يستحقه الوثني بخلاف الكتابي في ذلك احتراما لكتابه ، وهذا - أعني [ ص: 352 ] الإلحاق المظنون - مشبه لما قبله ، ومتعلق بأذياله ، غير أن الأول قاطع ، وهذا ظني كما قد رأيت ، وبالجملة بينهما جامع ، وهو مبادرة الذهن إلى أولوية الفرع بالحكم ، وفارق; وهو إمكان الفرق بين الأصل والفرع في هذا الضرب الثاني دون الضرب الأول .

الضرب " الثاني " : من الإلحاق المقطوع به " أن يستويا " يعني الأصل والفرع في استحقاقهما ، ومناسبتهما له ، كقولنا : سرى " العتق في العبد ، والأمة مثله " إذ لا تأثير للذكورة والأنوثة في هذا الحكم ونحوه في عرف الشرع وتصرفه ، إذ هما وصفان طرديان ، كالسواد والبياض ، والطول والقصر ، والحسن والقبح ، وإن كان للذكورية والأنوثية تأثير في الفرق في بعض الأحكام كولاية النكاح والقضاء والشهادة .

وكذلك " موت الحيوان في السمن " المائع ينجسه ، " والزيت مثله " إذ المؤثر هو الجامع ، وهو الميعان المصحح لسراية النجاسة ، ولا أثر للفارق بكون هذا سمنا وهذا زيتا ، لأنه فرق لفظي غير مناسب .

وكذلك قوله - عليه السلام - : أيما رجل وجد متاعه عند رجل قد أفلس ، فصاحب المتاع أحق بمتاعه ، فنقول : المرأة في معنى الرجل في ذلك ، وقوله تعالى : فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] ، فنقول : العبيد في معنى الإماء في تنصيف الحد ، وقوله - عليه السلام - : من باع عبدا وله مال فماله للبائع ، إلا أن يشترطه المبتاع . فنقول : الأمة إذا بيعت ولها مال في معنى العبد .

[ ص: 353 ] وهذا يسمى القياس في معنى الأصل ، أي : إن الفرع فيه في معنى الأصل ، " وهو راجع إلى أن لا أثر للفارق " ويسمى إلغاء الفارق .

" وطريق الإلحاق " فيه من وجهين :

أحدهما : أن يقال : " لا فارق " بين محل الإجماع " إلا كذا " وهو " لا أثر له " فيجب استواؤهما في الحكم .

مثاله : لا فارق بين العبد والأمة في سراية العتق وتنصيف الحد إلا الذكورية ، ولا أثر لها لما ذكرنا ، فيجب استواؤهما في ذلك .

الوجه الثاني : أن " يبين الجامع " الذي هو مناط الحكم في الأصل ما هو ، ويبين " وجوده في الفرع " فيثبت الحكم ، مثل أن يقول : العلة في الأصل كذا ، وهي متحققة في الفرع ، فيجب استواؤهما في الحكم .

مثاله : العلة في تحريم الخمر الإسكار ، وهي موجودة في النبيذ ، فيجب اشتراكهما في التحريم . " وهو " يعني هذا الطريق الثاني ، وهو بيان الجامع في الأصل ، ووجوده في الفرع هو " المتفق على تسميته قياسا ، وفيما قبله " وهو الوجه الأول ، وهو إلغاء الفارق فيه " خلاف " هل يسمى قياسا أم لا ؟ وذلك لأن القياس هو اعتبار شيء بغيره ، أو الجمع بين شيئين بالقصد الأول ، وهو يتحقق في بيان علة الأصل ووجودها في الفرع . أما إلغاء الفارق ، فليس ذلك موجودا فيه بالقصد الأول ، إنما الموجود فيه إلغاء الفارق ، وأما الجمع بين الأصل والفرع ، فإنما يحصل فيه بالقصد الثاني .

قوله : " نحو : السكر علة التحريم " إلى آخره . هذا مثال بيان علة الأصل ووجودها في الفرع ، وهو الوجه الثاني في الإلحاق المسمى قياسا بالاتفاق ، كقولنا : " السكر علة التحريم " في الخمر ، وهي موجودة في النبيذ ، [ ص: 354 ] فيثبت التحريم فيه ، " وإثبات " المقدمة " الأولى " وهي قولنا هاهنا : السكر علة التحريم " بالشرع فقط " أي : إثبات العلة لا يثبت إلا بطريق شرعي ، لأنها " وضعية " أي : مما وضعه الشرع ، وما اختص الشرع بوضعه علة وعلما على الحكم لا يعلم إلا بدليل من جهته ، وإثبات المقدمة " الثانية " وهي تحقيق العلة في الفرع " بالعقل والعرف والشرع " لأن طريق إثباتها في الفرع ليس من خواص أوضاع الشرع ، إنما هو اجتهاد من المجتهد ، فجاز أن يكون طريق إثباتها فيه عقليا أو عرفيا أو شرعيا ، أي : معلوم بالعقل أو العرف أو الشرع ، ويتعلق بأذيال هذا الضرب ، وهو القياس في معنى الأصل ما هو دونه في القوة وهو مظنون ، كقولنا : إذا أضاف العتق إلى عضو معين ، سرى ، فإذا أضافه إلى جزء شائع كالنصف والثلث ، يسري أيضا ، والجامع أن هذا بعض ، وهذا بعض ، فهذا في محل النظر والاجتهاد ، إذ شيوع البعض وتعيينه مثار لفرق منقدح في نظر بعض المجتهدين .

فيحصل مما ذكرنا أن الإلحاق المقطوع به ضربان :

أحدهما : ما الفرع أولى فيه بالحكم في بادئ الرأي ، ثم ينقسم إلى قسمين : ما الأمر فيه كذلك في الحقيقة ، كالضرب مع التأفيف ، وهو فحوى الخطاب ، وما ليس كذلك ، كشهادة الكافر مع شهادة الفاسق ، والأول أقوى من الثاني .

[ ص: 355 ] الضرب الثاني : ما الفرع فيه مساو للأصل في استحقاق الحكم ، وهو أيضا على قسمين : ما لا ينقدح الفرق بينهما في نفس الأمر ، كقياس الأمة على العبد في السراية . الثاني : ما ينقدح في الفرق ، كالجزء المشاع مع الجزء المعين .

قوله : " والمظنون ما عدا ذلك " أي : ما عدا ما ذكرناه من الإلحاق بطريق الأولى ، والقياس في معنى الأصل فهو مظنون كالأقيسة الشبهية ، ونحو ذلك .

فحصل من هذه الجملة بيان أصناف الإلحاق القياسي قطعا أو ظنا ، والله سبحانه أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية