صفحة جزء
[ ص: 552 ] الحادي عشر : تركيب القياس من المذهبين ، وهو القياس المركب المذكور قبل ، نحو قوله في البالغة : أنثى ، فلا تزوج نفسها ، كابنة خمس عشرة ، إذ الخصم يمنع تزويجها نفسها لصغرها لا لأنوثتها ، ففي صحة التمسك به خلاف .

الإثبات ، إذ أصله النزاع في الأصل فيثبته ، ويبطل مأخذ الخصم فيه ، وقد ثبت مدعاه .

والنفي ، لأنه فرار عن فقه المسألة إلى مقدار سن البلوغ ، وهي مسألة أخرى ، والأول أولى .


السؤال " الحادي عشر : تركيب القياس من المذهبين " ، يعني مذهب المستدل والمعترض ، " وهو القياس المركب المذكور قبل " ، يعني عند ذكر شروط حكم الأصل ، وأنه هل يشترط أن يكون مجمعا عليه أم لا ؟ ومثلناه بقول المستدل : العبد منقوص بالرق ، فلا يقتل به الحر كالمكاتب .

ومثاله ههنا : أن يقول الحنبلي في المرأة البالغة : " أنثى ، فلا تزوج نفسها " بغير ولي " كابنة خمس عشرة " سنة .

قوله : " إذ الخصم " ، إلى آخره ، هذا كالتفسير والشرح ، لكون القياس مركبا ، وذلك لأن الخصم - وهو الحنفي - " يمنع تزويجها " ، أي : تزويج بنت خمس عشرة سنة " لصغرها ، لا لأنوثتها " ، أي : لكونها صغيرة لا لكونها أنثى فاختلفت العلة في الأصل ، وإنما اتفق صحة هذا القياس لاجتماع علة [ ص: 553 ] الخصمين فيه ، فتركب منهما .

وتحقيق التركيب ههنا : هو أن يتفق الخصمان على حكم الأصل ، ويختلفان في علته ، فإذا ألحق أحدهما بذلك الأصل فرعا بغير علة صاحبه ، فالقياس منتظم ، لكن بناء على تركيب حكم الأصل من علتين .

مثاله في هذه الصورة : أن أحمد والشافعي - رضي الله عنهما - يعتقدان أن بنت خمس عشرة لا تزوج نفسها لأنوثتها ، وأبو حنيفة يعتقد أنها لا تزوج نفسها لصغرها ، إذ الجارية إنما تبلغ عنده لتسع عشرة ، وفي رواية لثماني عشرة كالغلام ، فالعلتان موجودة فيها ، والحكم متفق عليه بناء على ذلك . فإذا قال الحنبلي في البالغة : أنثى فلا تزوج نفسها كبنت خمس عشرة انتظم القياس بناء على ما ذكرناه من تركيب حكم الأصل بين الخصمين من العلتين ، واستناده عند كل منهما إلى علته . ولهذا جاز لأحدهما منع صحة القياس لاختلاف العلة في الفرع والأصل ، مثل أن يقول الحنفي ههنا للمستدل : أنت عللت المنع في البالغة بالأنوثة ، والمنع في بنت خمس عشرة عندي معلل بالصغر ، فما اتفقت علة الأصل والفرع ، فلا يصح الإلحاق .

قوله : " ففي صحة التمسك به خلاف " ، هل يصح أم لا ؟

قوله : " الإثبات " ؛ بدل من " خلاف " ، و " النفي " بعده عطف عليه . أي : في ذلك خلاف : الإثبات والنفي ، أي : أثبت صحة التمسك به قوم ، ونفاه آخرون .

حجة الإثبات : أن حاصل سؤال التركيب يرجع إلى النزاع في الأصل ، لأن النزاع في علته ، كالنزاع في حكمه . وقد سبق أن القياس يجوز على أصل مختلف فيه ، فإذا منعه المعترض ، أثبته المستدل بطريقه ، وصح قياسه ، فههنا كذلك يثبت المستدل أن العلة في بنت خمس عشرة هي الأنوثة ، ويحققها في الفرع ، وهي البالغة ، ويبطل مأخذ الخصم وهو تعليله في بنت خمس عشرة [ ص: 554 ] بالصغر . وقد ثبت مدعاه ، وصح قياسه ، وهو أن البالغة أنثى ، فلا تزوج نفسها كبنت خمس عشرة .

حجة النفي : " أنه فرار عن فقه المسألة " المنازع فيها " إلى " النزاع في " مقدار سن البلوغ وهي مسألة أخرى " فهو انتقال من الخصمين جميعا ، وذلك لأن الاستدلال إنما وقع على أن البالغة تستقل بتزويجها نفسها ، وقياسه على بنت خمس عشرة سنة أفضى إلى النزاع في أن علة المنع فيها الأنوثة ، أو الصغر ، وذلك مبني على أنها بالغة أو صغيرة ، وذلك مبني على أن خمس عشرة هي سن البلوغ أم لا ؟ وهذا انتقال عن محل النزاع بواسطتين فلا يصح التمسك به " والأول أولى " أي : صحة التمسك بهذا القياس المركب لما قررناه آنفا . وإذا ثبت صحة التمسك به ، صح سؤال التركيب عليه ، ولزم المستدل الجواب عنه بما ذكرناه من إبطال مأخذه في الأصل ، وتحقيق الجمع بينه وبين الفرع بعلته . وعلى القول ببطلان التمسك بالقياس المركب لا يتصور سؤال التركيب ، لأنه فرع على قياس باطل ، وفرع الباطل باطل ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية