صفحة جزء
[ ص: 663 ] ثم هنا مسألتان :

إحداهما : أن العامي يقلد من علم أو ظن أهليته للاجتهاد بطريق ما ، دون من عرفه بالجهل اتفاقا فيهما .

أما من جهل حاله فلا يقلده أيضا ، خلافا لقوم .

لنا : غالب الناس غير مجتهد ، فاحتمال الأهلية مرجوح ، ولأن من وجب قبول قوله ، وجب معرفة حاله ، كالنبي بالمعجز ، والشاهد والراوي بالتعديل .

قالوا : العادة أن من دخل بلدا لا يسأل عن علم من يستفتيه ولا عن عدالته .

قلنا : العادة ليست حجة على الدليل ، لجواز مخالفتها إياه ، ثم وجوب السؤال عن علمه ملتزم ، والعدالة أصلية في كل مسلم ، بخلاف العلم .


قوله : " ثم هنا " ، أي : في باب التقليد " مسألتان :

إحداهما : أن العامي يقلد من علم ، أو ظن أهليته للاجتهاد بطريق ما ، دون من عرف بالجهل اتفاقا فيهما " . أي : الحكم في الصورتين إثبات في الأولى ، ونفي في الثانية ، متفق عليه عند من أجاز التقليد للعامي .

وتحقيق القسمة فيه : أن العامي إذا أراد أن يستفتي شخصا ، فإما أن يعلم ، أو يظن أنه أهل للفتيا ، أو يعلم أنه جاهل لا يصلح لذلك ، أو يجهل حاله ، فلا يعلم أهليته ولا عدمها . فالأول له أن يستفتيه باتفاقهم ، وعلمه بأهليته إما بإخبار عدل عنه بذلك ، أو باشتهاره بين الناس بالفتيا ، أو بانتصابه لها وانقياد [ ص: 664 ] الناس للأخذ عنه ونحو ذلك من الطرق . وهذا معنى قوله : " بطريق ما " ، والظن يقوم مقام العلم في ذلك لما عرف .

والثاني : وهو من علم أو ظن جهله لا يجوز أن يستفتيه ، لأنه تضييع لأحكام الشريعة ، فهو كالعالم يفتي بغير دليل . أما من جهل حاله ، فلا يقلده أيضا عند الأكثرين ، خلافا لقوم .

" لنا " على أن لا يقلده وجهان :

أحدهما : أن " غالب الناس غير مجتهد ، فاحتمال الأهلية مرجوح " .

يعني أن هذا لما جهل حاله ، احتمل أن يكون أهلا ، وأن لا يكون ، لكن غالب الإنس غير أهل للفتيا ، فحمل هذا على الغالب راجح ، ويلزم منه أن تكون أهليته مرجوحة ، فينتفي ظن أهليته ، فلا يجوز تقليده .

الوجه الثاني : أن المفتي يجب قبول قوله ، وكل " من وجب قبول قوله ، وجب معرفة حاله " ، كما أن النبي لما وجب قبول قوله ، وجب معرفة حاله وامتحانه بظهور المعجز على يده ، " والشاهد والراوي " لما وجب قبول قولهما ، وجب معرفة حالهما " بالتعديل " .

قوله : " قالوا " . هذا حجة الخصم على قبول فتيا المجهول الحال . وتقريرها : أن " العادة " جرت بأن " من دخل بلدا لا يسأل عن علم من يستفتيه ولا عدالته " ، والعوائد المشهورة حجة لدلالتها على اتفاق الناس عليها عملا بقوله - عليه السلام - : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن .

[ ص: 665 ] قوله : " قلنا " هذا جواب ما ذكروه ، وهو أنا لا نسلم أن العادة " حجة على الدليل ، لجواز مخالفتها إياه " ، ومعنى ذلك : أن الدليل قد دل على أن مجهول الحال لا يستفتى كما سبق . وما ذكرتم من العادة ليس حجة على هذا الدليل وكذلك مطلق " العادة ليست حجة على " مطلق " الدليل لجواز " أن تخالفه ، وما خالف الدليل لا يعتبر إلا بدليل ، ثم لا نسلم أن العادة ما ذكرتم ، بل العادة خلافه ، وهو أن من دخل بلدا احتاط لدينه ، ولم يأخذ إلا عن أهله . وإن سلمنا أن ذلك عادة ; لكن لا نسلم شهرتها ، بل هو عادة شذوذ الناس وجهالهم ، وإن سلمنا أنها مشهورة ، لكن لا نسلم أنها تدل على اتفاق عليها حتى تكون حجة .

قوله : " ثم وجوب السؤال عن علمه ملتزم " ، أي : نلتزم أن من دخل بلدا يجب عليه السؤال عن علم من يستفتيه ، ولا نسلم عدم وجوبه ، وإنما هو شيء استفدتموه من العادة ، وقد بينا بطلانه .

قوله : " والعدالة أصلية في كل مسلم بخلاف العلم " .

هذا بيان الفرق بين العدالة والعلم : بأن عدالة المفتي إنما لم يجب السؤال عنها ، لأنها الأصل في كل مسلم بخلاف العلم ، فإنه على العكس من ذلك ، وهو أن عدمه أصلي في كل أحد ، فلذلك أوجبنا السؤال عن علم المفتي دون عدالته ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية