صفحة جزء
[ ص: 493 ] المسألة الخامسة عشرة

العوائد الجارية ضرورية الاعتبار شرعا ، كانت شرعية في أصلها أو غير شرعية ; أي : سواء كانت مقررة بالدليل شرعا أمرا أو نهيا أو إذنا أم لا .

أما المقررة بالدليل ; فأمرها ظاهر ، وأما غيرها ; فلا يستقيم إقامة التكليف إلا بذلك ، فالعادة جرت بأن الزجر سبب الانكفاف عن المخالفة ; كقوله تعالى : ولكم في القصاص حياة [ البقرة : 179 ] .

فلو لم تعتبر العادة شرعا ; لم ينحتم القصاص ولم يشرع ; إذ كان يكون شرعا لغير فائدة ، وذلك مردود بقوله : ولكم في القصاص حياة [ البقرة : 179 ] .

وكذلك البذر سبب لنبات الزرع ، والنكاح سبب للنسل ، والتجارة سبب لنماء المال عادة ; كقوله تعالى : وابتغوا ما كتب الله لكم [ البقرة : 187 ] .

وابتغوا من فضل الله [ الجمعة : 10 ] .

ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم [ البقرة : 198 ] .

وما أشبه ذلك مما يدل على وقوع المسببات عن أسبابها دائما ، فلو لم [ ص: 494 ] تكن المسببات مقصودة للشارع في مشروعية الأسباب ; لكان خلافا للدليل القاطع ، فكان ما أدى إليه باطلا .

ووجه ثان ، وهو ما تقدم في مسألة العلم بالعاديات ; فإنه جار هاهنا .

ووجه ثالث وهو أنه لما قطعنا بأن الشارع جاء باعتبار المصالح ; لزم القطع بأنه لا بد من اعتباره العوائد ; لأنه إذا كان التشريع على وزان واحد ; دل [ ص: 495 ] على جريان المصالح على ذلك ; لأن أصل التشريع سبب المصالح ، والتشريع دائم كما تقدم ; فالمصالح كذلك ، وهو معنى اعتباره للعادات في التشريع .

ووجه رابع ، وهو أن العوائد لو لم تعتبر لأدى إلى تكليف ما لا يطاق ، وهو غير جائز أو غير واقع ، وذلك أن الخطاب ; إما أن يعتبر فيه العلم والقدرة على المكلف به وما أشبه ذلك من العاديات المعتبرة في توجه التكليف ، أو لا ; فإن اعتبر فهو ما أردنا ، وإن لم يعتبر فمعنى ذلك أن التكليف متوجه على العالم والقادر ، وعلى غير العالم والقادر ، وعلى من له مانع ومن لا مانع له ، وذلك عين تكليف ما لا يطاق ، والأدلة على هذا المعنى واضحة كثيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية