صفحة جزء
فصل

وبقي هنا تقسيم ملائم لما تقدم ، وهو أن منافع الرقاب ، وهى التي قلنا إنها تابعة لها على الجملة تنقسم ثلاثة أقسام .

أحدها : ما كان في أصله بالقوة لم يبرز إلى الفعل لا حكما ولا وجودا كثمرة الشجر قبل الخروج ، وولد الحيوان قبل الحمل ، وخدمة العبد ، ووطء قبل حصول التهيئة ، وما أشبه ذلك ، فلا خلاف في هذا القسم أن المنافع هنا [ ص: 449 ] غير مستقلة في الحكم ; إذ لم تبرز إلى الوجود فضلا عن أن تستقل ، فلا قصد إليها هنا ألبتة وحكمها التبعية كما لو انفردت فيه الرقبة بالاعتبار .

والثاني : ما ظهر فيه حكم الاستقلال وجودا وحكما ، أو حكما عاديا ، أو شرعيا كالثمرة بعد اليبس ، وولد الحيوان بعد استغنائه عن أمه ، ومال العبد بعد الانتزاع ، وما أشبه ذلك ، فلا خلاف أيضا أن حكم التبعية منقطع عنه ، وحكمه مع الأصل حكم غير المتلازمين إذا اجتمعا قصدا لا بد من اعتبار كل واحد منهما على القصد الأول مطلقا .

والثالث : ما فيه الشائبتان فمباينة الأصل فيه ظاهرة ، لكن على غير الاستقلال ، فلا هو منتظم في سلك الأول ولا في الثاني ، وهو ضربان :

الأول : ما كان هذا المعنى فيه محسوسا كالثمرة الظاهرة قبل مزايلة الأصل والعبد ذي المال الحاضر تحت ملكه ، وولد الحيوان قبل الاستغناء عن أمه ، ونحو ذلك .

والآخر ما كان في حكم المحسوس كمنافع العروض والحيوان والعقار وأشباه ذلك مما حصلت فيه التهيئة للتصرفات الفعلية كاللبس والركوب والوطء والخدمة والاستصناع والازدراع والسكنى ، وأشباه ذلك فكل واحد من الضربين قد اجتمع مع صاحبه من وجه وانفرد عنه من وجه ولكن الحكم فيهما واحد .

[ ص: 450 ] فالطرفان يتجاذبان في كل مسألة من هذا القسم ولكن لما ثبتت التبعية على الجملة ارتفع توارد الطلبين عنه وصار المعتبر ما يتعلق بجهة المتبوع كما مر بيانه ، ومن جهة أخرى لما برز التابع وصار مما يقصد تعلق الغرض في المعاوضة عليه ، أو في غير ذلك من وجوه المقاصد التابعة على الجملة .

ولا ينازع في هذا أيضا ; إذ لا يصح أن تكون الشجرة المثمرة في قيمتها لو لم تكن مثمرة ، وكذلك العبد دون مال لا تكون قيمته كقيمته مع المال ولا العبد الكاتب كالعبد غير الكاتب فصار هذا القسم من هذه الجهة محل نظر واجتهاد بسبب تجاذب الطرفين فيه .

[ ص: 451 ] وأيضا فليس تجاذب الطرفين فيه على حد واحد ، بل يقوى الميل إلى أحد الطرفين في حال ولا يقوى في حال أخرى ، وأنت تعلم أن الثمرة حين أبرزوها وقبل الإبار ليست في القصد ولا في الحكم كما بعد الإبار ، وقبل بدو الصلاح ولا هي قبل بدو الصلاح كما بعد بدو الصلاح ، وقبل اليبس فإنها قبل الإبار للمشتري .

فإذا أبرت ، فهي عند أكثر العلماء للبائع إلا أن يشترطها المبتاع فتكون له عند الأكثر .

فإذا بدا صلاحها ، فقد قربت من الاستقلال ، وبعدت من التبعية فجاز بيعها بانفرادها ولكن من اعتبر الاستقلال قال : هي مبيعة على حكم الجذ كما لو يبست على رءوس الشجر ، فلا جائحة فيها ، ومن اعتبر عدم الاستقلال ، وأبقى حكم التبعية قال : حكمها على التبعية لما بقي من مقاصد الأصل فيها ، ووضع فيها الجوائح اعتبارا بأنها لما افتقرت إلى الأصل كانت كالمضمونة إليه التابعة له فكأنها على ملك صاحب الأصل ، وحين تعين وجه الانتفاع بها على المعتاد صارت كالمستقلة فكانت الجائحة اليسيرة مغتفرة فيها ; لأن اليسير في الكثير كالتبع .

[ ص: 452 ] ومن هنا اختلفوا في السقي بعد بدو الصلاح هل هو على البائع أم على المبتاع ؟

فإذا انتهى الطيب في الثمرة ولم يبق لها ما تضطر إلى الأصل فيه ، وإنما بقي ما يحتاج إليه فيه على جهة التكملة من بقاء النضارة وحفظ المائية اختلف هل بقي فيها حكم الجائحة أم لا بناء على أنها استقلت بنفسها ، وخرجت عن تبعية الأصل مطلقا أم لا .

فإذا انقطعت المائية والنضارة اتفق الجميع على حكم الاستقلال فانقطعت التبعية ، وعلى نحو من هذا التقرير يجري الحكم في كل ما يدخل تحت هذه الترجمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية