صفحة جزء
[ ص: 114 ] المسألة السابعة

المباحات من حقيقة استقرارها مباحات أن لا يسوى بينها وبين المندوبات ولا المكروهات ; فإنها إن سوي بينها وبين المندوبات بالدوام على الفعل على كيفية فيها معينة أو غير ذلك توهمت مندوبات كما تقدم في مسح الجباه بأثر الرفع من السجود ، ومسألة عمر بن الخطاب في غسل ثوبه من الاحتلام وترك الاستبدال به .

وقد حكى عياض عن مالك أنه دخل على عبد الملك بن صالح أمير المدينة ; فجلس ساعة ثم دعا بالوضوء والطعام ، فقال : ابدءوا بأبي عبد الله فقال مالك : إن أبا عبد الله يعني نفسه لا يغسل يده فقال : لم ؟ قال : ليس هو الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا إنما هو من رأي الأعاجم ، وكان عمر إذا أكل مسح يده بباطن قدمه فقال له عبد الملك : أأترك يا أبا عبد الله ؟ قال : إي والله فما عاد إلى ذلك ابن صالح قال مالك : ولا نأمر الرجل أن لا يغسل [ ص: 115 ] يده ولكن إذا جعل ذلك كأنه واجب عليه ; فلا ، أميتوا سنة العجم ، وأحيوا سنة العرب ، أما سمعت قول عمر : تمعددوا واخشوشنوا وامشوا حفاة وإياكم وزي العجم .

وهكذا إن سوى في الترك بينها وبين المكروهات ربما توهمت مكروهات ; فقد كان عليه الصلاة والسلام يكره الضب ويقول : لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه وأكل على مائدته ; فظهر حكمه .

وقدم إليه طعام فيه ثوم لم يأكل منه قال له أبو أيوب وهو الذي بعث به إليه يا رسول الله : أحرام هو ؟ قال : لا ولكني أكرهه من أجل ريحه وفي رواية أنه قال لأصحابه : كلوا فإني لست كأحدكم ، إني أخاف أن أؤذي صاحبي [ ص: 116 ] وروي في الحديث أن سودة بنت زمعة خشيت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا تطلقني ، وأمسكني ، واجعل يومي لعائشة ففعل ; فنزلت : فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا الآية [ النساء : 128 ] فكان هذا تأديبا وبيانا بالقول والفعل لأمر ربما استقبح بمجرى العادة ; حتى يصير كالمكروه ، وليس بمكروه .

والأدلة على هذا الفصل نحو من الأدلة على استقرار المندوبات .

التالي السابق


الخدمات العلمية