صفحة جزء
فصل

فإن قيل : فما حكم المستفتي مع هذا المفتي الذي لم يطابق قوله فعله ، هل يصح تقليده في باب التكليف أم لا ؟ بمعنى أنه يؤخذ بقوله ، ويعمل عليه أو لا .

فالجواب : أن هذه المسألة مبنية على ما تقدم ، فإن أخذت من جهة الصحة في الوقوع فلا تصح ؛ لأنها إذا لم تصح بالنسبة إلى المفتي فكذلك يقال بالنسبة إلى المستفتي ، هذا هو المطرد والغالب ، وما سواه كالمحفوظ النادر الذي لا يقوم منه أصل كلي بحال ، وأما إن أخذت من جهة الإلزام الشرعي ، فالفقه فيها ظاهر ، فإن كانت مخالفته ظاهرة قادحة في عدالته ، فلا يصح إلزامه ، [ ص: 275 ] إذ من شرط قبول القول والعمل به صدقه ، وغير العدل لا يوثق به وإن كانت فتواه جارية على مقتضى الأدلة في نفس الأمر ، إذ لا يمكن علم ذلك إلا من جهته ، وجهته غير موثوق بها ، فيسقط الإلزام عن المستفتي ، وإذا سقط الإلزام عن المستفتي فهل يبقى إلزام المفتي متوجها أم لا ؟ يجري ذلك على خلاف في مسألة حصول الشرط الشرعي : هل هو شرط في التكليف أم لا ؟ وذلك مقرر في كتب الأصول ، وإن لم تكن مخالفته قادحة في عدالته فقبول قوله صحيح ، والعمل عليه مبرئ للذمة ، والإلزام الشرعي متوجه عليهما معا .

التالي السابق


الخدمات العلمية