المسألة الثامنة  
إيقاع السبب بمنزلة إيقاع المسبب  قصد ذلك المسبب أو لا ; لأنه لما جعل مسببا عنه في مجرى العادات ، عد كأنه فاعل له مباشرة ، ويشهد لهذا      
[ ص: 336 ] قاعدة مجاري العادات ; إذ أجري فيها نسبة المسببات إلى أسبابها ; كنسبة الشبع إلى الطعام ، والإرواء إلى الماء ، والإحراق إلى النار ، والإسهال إلى السقمونيا ، وسائر المسببات إلى أسبابها ، فكذلك الأفعال التي تتسبب عن كسبنا منسوبة إلينا ، وإن لم تكن من كسبنا ، وإذ كان هذا معهودا معلوما جرى عرف الشرع في الأسباب الشرعية مع مسبباتها على ذلك الوزان .  
وأدلته في الشرع كثيرة بالنسبة إلى الأسباب المشروعة أو الممنوعة ، كقول الله تعالى :  
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس  إلى قوله :  
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا     [ المائدة : 32 ] .  
وفي الحديث :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337408ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنه أول من سن القتل     .  
وفيه :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337409من سن سنة حسنة كان له أجرها ، وأجر من عمل بها     .  
وكذلك :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337410من سن سنة سيئة     .   
[ ص: 337 ] وفيه : "  
إن الولد لوالديه ستر من النار     " "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337412وأن من غرس غرسا كان ما أكل منه له صدقة ، وما سرق منه له صدقة ، وما أكل السبع فهو له صدقة ، وما أكلت الطير فهو له صدقة ، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة     " ، وكذلك الزرع ، والعالم يبث العلم ، فيكون له أجر كل من انتفع به .  
ومن ذلك ما لا يحصى ، مع أن المسببات التي حصل بها النفع أو الضر ، ليست من فعل المتسبب .   
[ ص: 338 ] فإذا كان كذلك ; فالداخل في السبب إنما يدخل فيه مقتضيا لمسببه ، لكن تارة يكون مقتضيا له على الجملة والتفصيل ، وإن كان غير محيط بجميع التفاصيل ، وتارة يدخل فيه مقتضيا له على الجملة لا على التفصيل ، وذلك أن ما أمر الله به ; فإنما أمر به لمصلحة يقتضيها فعله ، وما نهى عنه ; فإنما نهى عنه لمفسدة يقتضيها فعله ، فإذا فعل فقد دخل على شرط أنه يتسبب فيما تحت السبب من المصالح أو المفاسد ، ولا يخرجه عن ذلك عدم علمه بالمصلحة أو المفسدة أو بمقاديرهما ; فإن الأمر قد تضمن أن في إيقاع [ المأمور به مصلحة علمها الله ، ولأجلها أمر به ، والنهي قد تضمن أن في إيقاع ] المنهي عنه مفسدة علمها الله ، ولأجلها نهى عنه ، فالفاعل ملتزم لجميع ما ينتجه ذلك السبب من المصالح أو المفاسد ، وإن جهل تفاصيل ذلك . 
فإن قيل : أيثاب أو يعاقب على ما لم يفعل ؟ .  
فالجواب : أن الثواب والعقاب إنما ترتب على ما فعله وتعاطاه لا على ما لم يفعل ، لكن الفعل يعتبر شرعا بما يكون عنه من المصالح أو المفاسد ، وقد بين الشرع ذلك ، وميز بين ما يعظم من الأفعال مصلحته ، فجعله ركنا أو مفسدته فجعله كبيرة ، وبين ما ليس كذلك ; فسماه في المصالح إحسانا ، وفي المفاسد صغيرة ، وبهذه الطريقة يتميز ما هو من أركان الدين ، وأصوله ، وما هو من فروعه ، وفصوله ، ويعرف ما هو من الذنوب كبائر ، وما هو منها صغائر ، فما عظمه الشرع في المأمورات فهو من أصول الدين ، وما جعله دون ذلك فمن فروعه ، وتكميلاته ، وما عظم أمره في المنهيات فهو من الكبائر ، وما كان دون ذلك فهو من الصغائر ، وذلك على مقدار المصلحة أو المفسدة .