صفحة جزء
فصل

- ومنها : أن الله عز وجل جعل المسببات في العادة تجري على وزان الأسباب في الاستقامة أو الاعوجاج ، فإذا كان السبب تاما ، والتسبب على ما ينبغي ، كان المسبب كذلك ، وبالضد .

[ ص: 367 ] ومن هاهنا إذا وقع خلل في المسبب ، نظر الفقهاء إلى التسبب هل كان على تمامه أم لا ؟ فإن كان على تمامه لم يقع على المتسبب لوم ، وإن لم يكن على تمامه رجع اللوم والمؤاخذة عليه ، ألا ترى أنهم يضمنون الطبيب والحجام والطباخ وغيرهم من الصناع إذا ثبت التفريط من أحدهم ، إما بكونه غر من نفسه وليس بصانع ، وإما بتفريط ، بخلاف ما إذا لم يفرط ; فإنه لا ضمان عليه ; لأن الغلط في المسببات أو وقوعها على غير وزان التسبب قليل فلا يؤاخذ ، بخلاف ما إذا لم يبذل الجهد ; فإن الغلط فيها كثير ; فلا بد من المؤاخذة .

فمن التفت إلى المسببات من حيث كانت علامة على الأسباب في الصحة أو الفساد لا من جهة أخرى ، فقد حصل على قانون عظيم يضبط به جريان الأسباب على وزان ما شرع أو على خلاف ذلك ، ومن هنا جعلت الأعمال الظاهرة في الشرع دليلا على ما في الباطن ; فإن كان الظاهر منخرما حكم على الباطن بذلك أو مستقيما حكم على الباطن بذلك أيضا ، وهو أصل عام في الفقه وسائر الأحكام العاديات والتجريبيات ، بل الالتفات إليها من هذا الوجه نافع في جملة الشريعة جدا ، والأدلة على صحته كثيرة جدا ، وكفى بذلك عمدة أنه الحاكم بإيمان المؤمن وكفر الكافر وطاعة المطيع وعصيان العاصي وعدالة العدل وجرحة المجرح ، وبذلك تنعقد العقود ، وترتبط المواثيق ، إلى غير ذلك من الأمور ، بل هو كلية التشريع ، وعمدة التكليف [ ص: 368 ] بالنسبة إلى إقامة حدود الشعائر الإسلامية الخاصة والعامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية