صفحة جزء
[ ص: 446 ] فلا يخلو أن يفعله أو يتركه من حيث هو داخل تحت خطاب التكليف ; مأمورا به أو منهيا عنه أو مخيرا فيه ، أو لا .

فإن كان الأول فظاهر ; كالرجل يكون بيده له نصاب ، لكنه يستدين لحاجته إلى ذلك ، وتنبني الأحكام على مقتضى حصول المانع .

وإن كان الثاني ، وهو أن يفعله مثلا من جهة كونه مانعا ، قصدا لإسقاط حكم السبب المقتضي أن لا يترتب عليه ما اقتضاه ، فهو عمل غير صحيح .

والدليل على ذلك من النقل أمور ، من ذلك قوله جل وعلا : إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا الآية [ القلم : 17 ] ; فإنها تضمنت الإخبار بعقابهم على قصد التحيل لإسقاط حق المساكين ، بتحريهم المانع من إتيانهم ، وهو وقت الصبح الذي لا يبكر في مثله المساكين عادة ، والعقاب إنما يكون لفعل محرم .

وقوله تعالى : ولا تتخذوا آيات الله هزوا [ البقرة : 231 ] ، نزلت بسبب مضارة الزوجات بالارتجاع أن لا ترى بعده زوجا آخر مطلقا ، [ ص: 447 ] وأن لا تنقضي عدتها إلا بعد طول ; فكان الارتجاع بذلك القصد ; إذ هو مانع من حلها للأزواج .

وفي الحديث : قاتل الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ، وفي بعض الروايات وأكلوا أثمانها .

وقال عليه الصلاة والسلام : ليشربن ناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها .

[ ص: 448 ] وفي رواية : ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير ، والخمر والمعازف الحديث .

وفي بعض الحديث : يأتي على الناس زمان يستحل فيه خمسة أشياء بخمسة أشياء : يستحلون الخمر بأسماء يسمونها بها ، والسحت بالهدية ، والقتل بالرهبة ، والزنى بالنكاح ، والربا بالبيع . فكأن المستحل هنا رأى أن المانع [ ص: 449 ] هو الاسم ; فنقل المحرم إلى اسم آخر ، حتى يرتفع ذلك المانع فيحل له .

وقال تعالى : من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار [ النساء : 12 ] ; فاستثنى الإضرار ، فإذا أقر في مرضه بدين لوارث أو أوصى بأكثر من الثلث قاصدا حرمان الوارث أو نقصه بعض حقه بإبداء هذا المانع من تمام حقه ; كان مضارا ، والإضرار ممنوع باتفاق .

وقال تعالى : ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها الآية [ النحل : 91 ] .

قال أحمد بن حنبل : عجبت مما يقولون في الحيل والأيمان ، يبطلون الأيمان بالحيل ، [ وقال تعالى : ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها [ النحل : 91 ] .

وفي الحديث : لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ .

وفيه : إذا سمعتم به ـ يعني الوباء ـ بأرض ; فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها ; فلا تخرجوا فرارا منه .

[ ص: 450 ] والأدلة هنا في الشرع كثيرة من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح ـ رضى الله تعالى عنهم ـ .

وما تقدم من الأدلة والسؤال والجواب في الشروط جار معناه في الموانع ، ومن هنالك يفهم حكمها ، وهل يكون العمل باطلا أم لا ; فينقسم إلى الضربين ; فلا يخلو أن يكون المانع المستجلب مثلا في حكم المرتفع أو لا ; فإن كان كذلك ; فالحكم متوجه كصاحب النصاب استدان لتسقط عنه الزكاة ، بحيث قصد أنه إذا جاز الحول رد الدين من غير أن ينتفع به ، وإن لم يكن كذلك ; ، بل كان المانع واقعا شرعا ; كالمطلق خوفا من انحتام الحنث عليه ; فهو محل نظر ـ على وزان ما تقدم في الشروط ـ ، ولا فائدة في التكرار .

التالي السابق


الخدمات العلمية