الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوجودية

  • الكاتب:
  • التصنيف:مذاهب

الوجودية

الوجودية فلسفة من الفلسفات وليست دينـاً من الأديان ، يقول عنها الدكتور منصور عيـد في كتـابه ( كلمات من الحضارة ):
( الوجودية من أحدث المذاهب الفلسفية وأكثرها سيادة في الفكر المعاصر ، والوجودية بمعناها العـام هي إبراز قيمة الوجود الفردي للإنسان ، وقد ظهرت الوجودية نتيجة لحالة القلق التي سيطرت على أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى واتسعت مع الحرب العالمية الثانية ، وسبب هذا القلق هو الفناء الشامل الذي حصـل نتيجة الحرب ) ص 248 .
وفي معجم ألفاظ العقيدة (تصنيف عامر عبد الله) ، عرّف الوجودية بأنها : ( مذهب فلسفي يقوم على دعوة خادعة وهي أن يجد الإنسان نفسه ، ومعنى ذلك عندهم أن يتحلل من القيم وينطلق لتحقيق رغبـاته وشهواته بلا قيد ، ويقولون أن الوجود مقدم على الماهية ، وهذا اصطـلاح فلسفي معناه أن الوجود الحقيقي هو وجود الأفـراد ، أما النوع فهو اسم لا وجود له في الخارج ، فمثلاً زيد وخالد وابراهيم وهؤلاء موجودون حقيقيون لا شك في وجودهم ولكن الإنسان أو ا لنوع الإنساني كلمة لا حقيقية لها في الخـارج كما يزعمون ) ص 439.

وهي عند الدكتور عبد الرحمـن بدوي ، في دراسته عن " الفلسفة الوجودية " : ( إحدى المذاهب الفلسفية ، وفي الوقت نفسه هي من أقدمها ، أحدثهـا لأن لها مركز الصـدارة والسيادة في الفكر المعاصر .... والوجودية أيضـاً من أقدم المذاهب الفلسفية لأن العصب الرئيسي للوجودية هو أنها فلسفة تحـيا الوجود ، وليست مجرد تفكير في الوجود ، والأولى يحياها صاحبها في تجاربه الحية وما يعانيه في صراعه مع الوجود في العـالم ، أما الثانية فنظر مجرد إلى الحيـاة من خارجها وإلى الوجود في موضوعه ) ص19،20.

وإذن فهي - الوجودية - فلسفة ، ولكنها فلسفة من نوع جديد يختلف مفهومها عن مفاهيم الفلسفة التي استقرت من قبل وبلغت أوج بنيـانهـا عند هيجل ( توفي سنة 1831) فقد شيد بنـاءاً فلسفياً عقلياً كله ينبني على تصورات عقلية مجردة يربط بينها منطق الديالكتيك الذي يقتضي التعارض والتضاد ويتأسس على الجدل ، وفي هذا البناء الفلسفي الذي نقصته الوجودية نلاحظ أنه قد استقر عند الفلاسفـة أن كل ما هو موجود هو عقلي وكل ما هو عقلي هو موجود .

هذا البناء الفلسفي لم ترض عنه الوجودية فثارت ثائرتها في وجهه ، قال سيرن كيركجور - الأب الحقيقي للوجوديه ومؤسسها - توفي سنة 1855م : ( الفلسفة ليست أقوالاً خيالية لموجودات خياليـة ، بل الخطاب فيها موجه إلى كائنات موجودة )

ولتوضيح الفارق بين الفلسفتين يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في دراسته التي أشرنا إليها :
( فمثلاً : الموت ليس مشكلة فلسفية ، بل المشكلة هي ( أني أموت ) وفارق هائل بين أن أبحث في الموت بوصفه معنى عاماً مجرداً وبين أن أبحث في ( أنى الموت ) فيجب إذن ردّ المسائل إلى الموجودات ، والنظر إليها بوصفها موضوعات يعانيهـا الموجود نفسه ، وإذن فالذات الموجودة أو الذات الوجودية لا العقل المجرد - عند الوجوديين - هي التي يجب أن تكون العامل في إيجاد الفلسفة ) ص21.

والوجودية في أحسن وجوهها - عند مؤيديها - تعني :
1. الدعوة إلى الإشادة بالفردية ، وتقويم الشخصية الإنسانية ، وإحترام القيم الإنسانية الخالصة .

2. العناية بتحليل المعاني الأساسية في الوجود الإنساني من قلق وخوف وخطيئة ، ويأس وفناء وفردية وحرية.
3. تمجيد الوجدان والانفعال إلى جانب العقل بل فوق العقل .
4. اتخاذ التجارب الحية موضوعات للتفسير والتفلسف ، وعدم الاقتصار على التصورات العقلية المجردة .
5. معاناة المشاكل من الداخل بدلاً من معالجتها من الظاهر . والناس عند الوجوديين ثلاثة ، رجل’ جمـال ، ورجل’ أخلاق ، ورجل دين :
أ. رجل الجمال : هو الذي يعيش للمتعة واللذة ويسرف فيها ، وشعاره ( تمتع بيومك ) ( أحب ما لن تراه مرتين ) ولا زواج عند هذا الرجل ولا صداقة ، والمرأة عنده أداة للغزو وليست غاية .
ب. رجل الأخلاق : وهو الذي يعيش تحت لواء المسؤولية والواجب نحو المجتمـع والدولة والإنسـانية ، ولذلك فهو يؤمن بالزواج ولكن لا علاقة له بدين أو غيره .
جـ. رجل الدين : وهو عندهم لا يحيا في الزمان ، فلا صبح ولا مساء، ( ليس عند ربكم صباح ومساء ) ولهذا فهو متجرد عن الدنيا ، وأحواله في الجملة هي تلك الأحوال المعروفة عند الصوفية .
وقد تقع هذه الأنواع والصنوف لرجل واحد فيتدرج من المرحلة الجمالية إلى المرحلة الساخرة ، وهذه تؤدي إلى مرحلة الأخلاق التي تسلمه بدورها إلى العبث ومن العبث يبلغ المرحلة الدينية ، وهذا يدل على محاولات الوجودية الفلسفية للجمع الدياليكتيكي بين المتناقضات .

ومن هذا حديث الوجوديين عن الوجود والزمـان ومحاولة الجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل ، فالوجود الإنساني مهموم بتحقيق إمكانيـاته في الوجود ، والزمانية هي الوحدة الأصلية لتركيب الهـم ، والخلاصة - عندهم - أن الماضي يوجد في ذاته المستقبل ، والمستقبل هو خارج الماضي ، وفي نفس الوقت ينطوي في ذاته على الماضي ، ونفس الشيء يقال عن الحـاضر في علاقته مع الماضي ومع المستقبل معـاً ، فالعلاقة بين هذه اللحظات الثلاث إذن علاقة اندراج واستبعاد معاً .

هذا هو مفهوم الوجوديين للوجودية جامعة المتناقضات فتألمها سار ، وحبها كاره ، وقلقها مطمئن ، وخطرها آمن ، وطفرتها متصلة ، وتعاليها متهابط !! قد حمل لواءها من بعد كيركجور ، جان بول سارتر ، وحبرئيل مارسيل وهيدجر وغيرهم .

أما الوجودية من وجهة النظر الإسلامية التي بحثت في أصولها وأفكارها وأدبياتها ( كما جـاء في الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة ) فهي فلسفة تقوم على :

1. الكفر بالله وكتبه ورسله وبكل الغيبيات والأديان التي تعوق الإنسان عن تحقيق ذاته ومستقبله .
2. أن الإنسان ينبغي أن يطرح الماضي وينكر كل القيود الدينية والاجتماعية .
3. الإلحاد وهدم القيم والعقائد والأديان .
وعلى ذلك تكون الوجودية فلسفة إلحادية لا تهتم بالبناء ولا يعنيها أصلاً ولا علاقة لهـا بادين أو عقيدة من العقائد إلا تلك التي تدعو إلى الكفر وتروج للفساد .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة