الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الغرب وفلسطين: لا جديد يرجى منه أتت حماس أو ذهبت

الغرب وفلسطين: لا جديد يرجى منه أتت حماس أو ذهبت

الغرب وفلسطين: لا جديد يرجى منه أتت حماس أو ذهبت

حساسية الغرب الرسمي ضعيفة وغالباً منعدمة نحو احتلال إسرائيل للأراضي العربية ومعاناة الفلسطينيين، ويعزى ذلك للهيمنة الأميركية على صناعة القرار فيه ونسيان الأجيال الأوروبية الجديدة لأهوال الاحتلال النازي في أوروبا بسبب التركيز الإعلامي والتعليمي على جانب واحد منه هو معاناة اليهود والهولوكوست وكأن الأوروبيين كانوا ولا يزالون هم الأقلية في بلدانهم وأنهم لم يفقدوا خمسين مليوناً من البشر على أيدي النازية. كل ذلك يجعل قضية الحرية للفلسطينيين غير ذات بال، ويجعل لا أخلاقية الاحتلال واستمراره حتى القرن الواحد والعشرين قرن العولمة الجديدة ذات البعد الواحد، قضية أقلية في الغرب من رموزها الناشط البريطاني توم هيرندال، والناشطة الأميركية راشيل خوري ورفاقهما إيان هوك وجيمس ميل البريطانيان، الذين لو قتلوا على يد قوات احتلال أخرى لكان لقضيتهم على المستوى الرسمي شأن آخر.

مراكز صنع القرار في الغرب

في الغرب يوجد مركزان رئيسيان لصنع القرار. الأول في واشنطن وتشارك فيه ثلاث مؤسسات هي البيت الأبيض وهي الأضعف، والكونغرس وهو الأقوى، ولجنة العلاقات العامه الأميركية الإسرائيلية «إيباك» وهي جماعة ضغط يهودية غير منتخبة من قبل الشعب الأميركي وغير خاضعة للمساءلة والمحاسبة أمام أي سلطة مهما ألحقت من أضرار بالمصالح الأميركية في العالمين العربي والإسلامي ولا يجرؤ أحد على أن يناقش صواب أو خطأ أنشطتها وفائدتها لأميركا بسبب سطوتها ونفوذها وما إذا كان لهذه الأنشطة المنحازة كلياً لإسرائيل دور مباشر أو غير مباشر في أحداث 11/9 ولماذا تكرس كل إمكاناتها المالية والإعلامية ونفوذها في الكونغرس، والبيت الأبيض، والإعلام لخدمة مصالح إسرائيل قبل المصالح الأميركية باستعمال سياسة الترهيب والترغيب أو توظيف ملفات الفضائح. والمركز الغربي الثاني يوجد في إسرائيل، الغربية ثقافة وقيماً وسلوكاً، والتي لم تصبح بعد دولة شرق أوسطية.

غياب السياسة المستقلة

هذان المركزان أضعفا استقلال مراكز صنع القرار في أوروبا ما أدى قطعا إلى انعدام سياسة أوربية مستقلة عن واشنطن وتل أبيب، وبالتالي فإنه مهما قرر العرب في قممهم ومهما قالوا في إعلامهم عن «سعادتهم» بالتعايش مع إسرائيل وإقامة علاقات واسعة معها وفتح أبواب ديارهم لها ولمواطنيها وإنهاء مقاطعتها ومهما كتبوا عن العدل وقرارات الأمم المتحدة التي صيغت من قبل ديبلوماسيين غربيين في الأساس ولم يكن بعضها مثار اعتراض إسرائيل ومهما أسرفوا وأسهبوا في مناشدة الغرب أو لومه على سياساته وانحيازه ومهما أطنبوا في وصف سياسات إسرائيل وقالوا إنها ضد السلام وتنتمي إلى الماضي الاستعماري والاستيطاني وتضر بمصالح الغرب أكثر من إضرارها بالمصالح الإسرائيلية وتغذي الكراهية وتسهم في خلق بيئة عربية وإسلامية غاضبة من السياسات الغربية تنفس عن غضبها أحياناً ببعض الأعمال الإرهابية التي لم تعد أوروبا وأميركا قادرة على البقاء بمنأى عنها فإن أحداً لا يصغي إليهم لأن العواصم الغربية تنتظر غالباً الإشارات من واشنطن وتل أبيب كي تتحرك. أحياناً تكون هذه الإشارات غير رسمية في مقال أو افتتاحية في «واشنطن بوست» أو «نيويورك تايمز».

حقائق لهل دلالتها

الحقائق التالية توضح ما سبق ذكره. عندما قال الرئيس جورج بوش في حزيران (يونيو) 2002 إنه يؤيد إقامة دولة فلسطينية هب الغرب كله مباركاً ومؤيداً وكأنه كان غافلاً عن جوهر الحل لهذه القضية المزمنة وفي هذا الخطاب حدد الرئيس بوش شهر أيلول (سبتمبر) 2005 لإقامة هذه الدولة. وعندما أفرجت واشنطن عن خارطة الطريق قبل غزوها للعراق بأسابيع قليلة تنفس مؤيدو واشنطن الخلص الصعداء لأن إعلان الخارطة وظف للبرهنة للرأي العام ولمعارضي الحرب والمتحفظين على التبعية العمياء لواشنطن بأن لهم نفوذاً ودلالاً لديها هذه هي ثمرته وأنهم تمكنوا بطريقة أو بأخرى من إقناع واشنطن العنيدة بأن هناك علاقة بين الإحتلال الإسرائيلي والمشاعر المعادية للغرب في المنطقة التي تفرز تعبيرات عنيفة وإرهابية ضد المصالح الأميركية خصوصاً والغربية عموماً. وعندما أعلنت إسرائيل عن تحفظاتها الاثني عشر على الخارطة أصيبت أوروبا بالخرس. وأثناء مفاوضات السلام كان اشتراط إسرائيل للأمن مع السلام غائباً حتى ابتكره نتانياهو إبان رئاسته للوزراء في وسط التسعينات وبعد ذلك أصبح هذا المصطلح من مفردات الخطاب السياسي والإعلامي الغربي ومنذ العام 1997 لا يخلو خطاب أو تصريح أو بيان لمسؤول غربي من ربط السلام في الشرق الأوسط بأمن إسرائيل برغم اليقين الغربي التام بأن إسرائيل هي التي تهدد الأمن العربي وأنها تبتز العرب بهذه الخرافة وتستخدم هذا المصطلح تغطية لاستراتيجيتها القاضية بضم أراض عربية محتلة إلى كيانها، وأن هذا الضم إذا قبل به الفلسطينيون بالإكراه أو بغيره فإن من السهل تطبيقه في الجولان السوري العربي المحتل وجنوب لبنان سواء كان الاعتبار الأمني الإسرائيلي عسكرياً أو مائياً.

الأولوية للأمن الإسرائيلي فقط

وحتى الموقف الفرنسي المتميز نوعاً ما عن الموقف الأميركي يسير في هذا الاتجاه. (محاضرة دوفيلبان في القاهرة في نيسان/ إبريل 2002 عندما كان وزيراً للخارجية، وتصريح أخير له وهو رئيس وزراء) أما ما يقوله رئيس وزراء بريطانيا توني بلير ووزير خارجيته عن أولوية الأمن الإسرائيلي فهو أكثر من أن يحصى، وآخر ما قاله سترو كان في الرياض في 19/4/2006 عندما طالب حماس بالاعتراف بحدود آمنة مع إسرائيل هذه هي الأولوية وليس إنهاء الاحتلال لذلك ليس من المبالغة القول: إن الغرب كله وليس أميركا فقط شركاء مع إسرائيل في الاحتلال... وعن الإرهاب المتهم به العرب والبريئة منه إسرائيل لم تقابل إيماءة تعاطف صادقة من الرئيس الراحل ياسر عرفات نحو الشعب الأميركي بعيد أحداث 11/9 عبر عنها بالتبرع بدمه بالتقدير المناسب لكن بالتجاهل لأن رئيس وزراء إسرائيل شارون المغمى عليه منذ 4/ 1/ 2006 قال كلمات قليلة عنه رمت به وبإيماءته بعد ذلك وراء قرص الشمس، كما يقول تعبير عربي. قال شارون إن لديه بن لادن هو الآخر مثل الرئيس بوش، ومنذ ذلك الوقت أعيد تسجيل عرفات في كتاب الإرهاب الغربي الذي أعتقد أن إتفاق اوسلو ومصافحات البيت الأبيض وما تلاهما من من مفاوضات ومن تنازلات قد جعلته في ذمة التأريخ. وبعد اتهام إسرائيل للسلطة الفلسطينية ورئيسها بالفساد التقط السيد بلير الذي لا يخفي محبته لإسرائيل الخيط وبدأ بشن هجوم علني على عرفات بعد أشهر قليلة فقط من استقباله في مقر رئاسة الوزراء في أكتوبر من عام 2001 بقوله -ومن دون تفويض من الشعب الفلسطيني- :إن عرفات خيب أمل شعبه فيه. وعندما بدأ الوزير العنصري - اليميني شارانسكي التحرك في الغرب مع نتانياهو وباراك لشن حملة الاتهام المذكورة تحول الاتهام الإسرائيلي حقيقة مسلما بها وبدأت المطالبات الغربية الملحّة وبصوت واحد بإصلاح السلطة الفلسطينية وتطهيرها من الفساد وعزفت دوائر إعلامية وسياسية غربية وحتى الأمم المتحدة على النغمة الإسرائيلية وعقد لهذا الغرض مؤتمر خاص لإصلاح السلطة في لندن حضرته اللجنة الرباعية (الكوارتيت).

انقلاب الموازين

ووصل التلاحم في المواقف إلى حد توحد الموقف الغربي والإسرائيلي من المقاومة والانتفاضة واعتبارهما إرهاباً وتجاهل أسباب الإرهاب. بالأمس القريب قالت وزيرة الخارجية الأميركية ما سبق أن قاله توماس فريدمان والمحافظون الجدد بأن الاستبداد في المنطقة هو الذي خلق الإرهاب بدون أن تسأل نفسها: لماذا لم يتجه الإرهابيون إلى أي من الدول التي عنتها وليس إلى الحواضر الأميركية وعما إذا كان لهذه الأفعال علاقة بالسياسة الغربية في فلسطين. وأيدت دوائر غربية عديدة الترويج الإسرائيلي للديموقراطية وتبسيطها الساذج والمغالط بأن الديموقراطيات لا تحارب بعضها البعض متجاهلة كل الحروب العدوانية الغربية والإسرائيلية «الديموقراطية» في المنطقة، ومن ثم يجب إعطاء التغيير الديموقراطي في المنطقة الأولوية وربط الانسحاب من الأراضي المحتلة بتحقيق الديموقراطية في فلسطين. وقد أيد ذلك بوضوح أكثر من زعيم غربي منهم بوش وبلير للوصول إلى بيت القصيد وهو التهرب من السلام والحل، وفي هذا الصدد تؤيد عدة دول غربية الموقف الإسرائيلي من عملية السلام القائل بأن المعطيات لا تشير إلى استعداد الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني للسلام، ومن ثم يجب تركه للأجيال القادمة، وعبرت عن هذا التوافق وزيرة بريطانية سابقة بقولها مراراً :إن أمام السلام طريق طويل طويل طويل. ولم يحدث خلاف «أشقاء» إسرائيلي - غربي في المسألة الديموقراطية إلا عندما تبنى اليمين الإسرائيلي فرض الديموقراطية على العرب بالقوة العسكرية الذي أدرك لاحقاً أن المصلحة تقتضى التخلي عنه بعد ما لاح في الأفق تطور ديموقراطي غير مرغوب فيه إسرائيلياً وأميركياً.

الانقلاب

ونذكر جيداً أن الرئيس بوش استقبل الوزير الإسرائيلي ناتان شارانسكي الذي كان من أولى ثمار تعلمه اللغة الإنكليزية تأليف كتاب عن الديموقراطية حمله الرئيس بوش بيديه كالإنجبل في صورة ومناسبة نادرتين للتأكيد على توحد موقفهما من أهمية ملء الفراغ الديموقراطي في المنطقة لأن الرؤساء الأميركيين غير معتادين وبالأخص المعروف عنهم عدم اكتراثهم بالثقافة والقراءة، ولا يجيدون حتى لغتهم، على استقبال المفكرين وبالأخص الطارئين منهم على حرفة الكتابة ولأن الديموقراطية ليست تجريداً وإنما تعبير عن مصالح ولخدمتها فإن الرئيس بوش نزع ورقة التوت عندما قال في نهاية آذار (مارس) الماضي:إن «دعم الولايات المتحدة للديموقراطية لا يعني تأييدها لكل حكومة منتخبة» وفيما يتصل بحكومة حماس التي بدأت ممارسة مهماتها في 31 آذار (مارس) - توحد الموقفان الإسرائيلي والأميركي بالكامل نحوها واعتبراها غير شرعية ولا يمكن التعامل معها. وعلى إثر ذلك قررت الولايات المتحدة وكندا استخدام سيف العقوبات وهما المعروفان عنهما مع حلفائهما الليبراليين الديموقراطيين أنهم ضد فرض أي عقوبات على إسرائيل بسبب انتهاكها اتفاقيات جنيف الرابعة، وانتهاك حقوق الإنسان، والمجازر التي يحلو للديبلوماسية الغربية تسميتها بالاستخدام المفرط للقوة لأن ذلك يضر بفرص السلام ويضعف معسكر السلام في إسرائيل، وبالأمس القريب كشف الإتحاد الأوروبي عن أصالته الديموقراطية والتحق بالركب الأميركي - الكندي.

التوحد الغربي مع إسرائيل

ويجدر التذكير هنا بأن الغرب كله طالما حث العرب على إنهاء مقاطعتهم الاقتصادية لإسرائيل لإغوائها سلمياً وللبرهنة بأن العرب جادون في ما يقولونه عن استعدادهم للعيش بسلام ووئام معها والتعامل الاقتصادي والتجاري مع مؤسساتها ومواطنيها. وعن فرض الأمر الواقع الاستيطاني الذي طالما حذر منه العرب ولم يجد آذاناً صاغية في الغرب باركت واشنطن على لسان رئيسها وبحضور شارون شخصياً السياسة الإسرائيلية القاضية بالاحتفاظ بالمستوطنات الكبرى بما فيها مستوطنات القدس الشرقية ناسياً الموقف الذي طالما رددته إدارات أميركية عديدة ابتداء من إدارة ليندون جونسون عام 1967 بأنها لا تؤيد ما قامت به إسرائيل فور احتلالها للقدس الشرقية بهدم حي المغاربة في أول عمل توسعي واستيطاني وبأنها لن تعترف بأي تغييرات على الأرض تتخذ من جانب واحد وأن أي إجراءات إسرائيلية لا يجب أن تؤثر على التسويه النهائية. الآن نسمع من كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية كلاماً مغايراً يؤيد قيام إسرائيل وحدها من دون الشريك الفلسطيني في عملية السلام تحديد حدودها، كوندي وكولن باول وزير الخارجية السابق هما من نهرا وبقوة الرئيس الراحل عرفات من الإقدام على إعلان دولة فلسطينية من جانب واحد لأن الولايات المتحدة لا تعترف بالإجراءات المنفردة. الآن تغيرت الحال لأن رغبات إسرائيل إما لا ترد أو أن هناك توافقاً إسرائيلياً - أميركياً حتى ولو كانت الإدارة في فترة الرئاسة الثانية والأخيرة. هذه الإدارة تطلب من حماس القبول بخارطة الطريق التي تحفظت عليها تل أبيب وتنتهكها كل يوم بالاستيطان والقتل اليومي والحصار الاقتصادي وبناء الجدار الذي توأم فيه الخطاب السياسي الغربي مع التسمية الإسرائيلية له بـ «العازل» barrier وليس «الجدار» wall رغم انه لا يختلف في أغراضه عن جدار برلين. الغرب بمجمله لم يطلب من إسرائيل إنهاء احتلالها ولم يعاقبها لعدم تمكينها الشعب الفلسطيني من حقوقه السياسية.

ونلاحظ التوحد الغربي في المواقف والسياسات والتغطيات الإعلامية مع إسرائيل في أمور أخرى منها: اعتبار حماس وحزب الله منظمتين إرهابيتي،ن والقرار بتجميد أموال لهما في الغرب لا وجود لها، ومنها الزعم بأن للشهيدين الشيخ أحمد ياسين، وعبدالعزيز الرنتيسي أموالاً في بنوكها اتخذت قرارت بتجميدها واعتبار حزب الله إرهابيا الخ... ويقفز إلى الذهن استنتاج مفزع مما سبق هو أن الغرب مع إسرائيل وفق وعد بلفور (وطن قومي في فلسطين) وليس وفق القرارات الدولية كقرار التقسيم أو قرار عودة اللاجئين أو حدود عام 1967 أو حتى القرارين 242 و338 اللذين كانا السقف الذي استدرج تحتهما الفلسطينيون للتفاوض والقبول بإسرائيل في عامي 1988 و1991.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وديبلوماسي يمني. الرئيس السابق لبعثة الجامعة العربية في بريطانيا (عن الحياة بتصرف يسير)

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة