الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أخلاق الدعاة ,, (1) الإخلاص والصدق

من أخلاق الدعاة ,, (1) الإخلاص والصدق

من أخلاق الدعاة ,, (1) الإخلاص والصدق

الإخلاص هو روح الإعمال ، وبه تقبل وبدونه لا وزن لها ولا قيمة عند الله تعالى ، ولئن كان الإخلاص مطلوبـًا وأمرًا رئيسـًا وركنـًا ثابتـًا في قبول أي عمل ليس للدعاة فقط ، وإنما لكل مكلف ، كما هو ثابت ومعلوم في كلام الله وسنة رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)(البينة:5) ، وقال تعالى : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)(الزمر/3) ، وقال الله تعالى : (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)(الزمر/2) ، وقال تعالى : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف/110) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى … " . إلا إنه للداعية يمثل شيئا آخر أكبر من مجرد أنه سبب قبول العمل .

فهذا الإخلاص الذي تكلمنا عنه هو الإخلاص بالمعنى العام ، وليس هذا الذي أقصد توفره في الداعية ، وإنما المقصود في الداعية إخلاص من نوع خاص ، وهو أن يعمل لدعوته بالصدق ، ويعيش معها بأحاسيسه ومشاعره ، فيمرض لضعفها ، وينتشي ويفرح بقوتها ، إذا دعا لم تكن دعوته لمجرد أداء واجب أو إسقاط تكليف أو تخلص من تبعة المساءلة ، وإنما يدعو بحرقة للدين وشفقة على المدعوين ، واستنقاذًا لهم من النار ، وغضب الجبار ، فمثل هذا إذا تكلم خرج الكلام من قلبه فنفع وانتفع ، فإن الموعظة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب ، وإذا خرجت من اللسان دخلت من أذن وخرجت من الأخرى ، والعالم إذا لم يرد بموعظته وجه الله زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا .

يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : " والدعوة النابعة عن إخلاص مع القوة والعزيمة والاعتماد على الله لابد أن تؤثر وتعمل عملها .. ألا ترى إلى قصة موسى حين حشد الناس له ضحىً يوم زينتهم ، وجمع له فرعون كيده ، ثم أتى بأبهته وعزته وكبريائه (قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى)(طـه/61) فماذا فعلت هذه الكلمة ؟ لقد فرقت كلمتهم وشتتت شملهم في الحال (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ )(طـه/62) والتنازع أكبر أسباب الفشل .(رسالة إلى الدعاة/27) .

كان محمد بن واسع يجلس قريبـًا من أحد الوعاظ وهو يعظ الناس ويقول: مالي أرى القلوب لا تخشع ، والعيون لا تدمع ، والجلود لا تقشعر ؟ فقال له محمد بن واسع : " ما أرى القوم أتوا إلا من قبلك ، إن الذكر إذا خرج من القلب وقع في القلب " .

نعم : فكم من كلمات ولدت يوم ولدت ميتة ثم ذهبت مع أصحابها لتكون من أصحاب القبور ؟ وكم من كلمات ولدت حية وبقيت فيها الحياة حتى بعد وفاة أصحابها؟ (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)(إبراهيم/24 ، 25) .

واسمع إلى ابن القيم - رحمه الله - وهو يقول : " كلام الأولين قليل كثير البركة ، وكلام المتأخرين كثير قليل البركة " .
والسر هو الإخلاص والصدق الذي يمنح الكلمات روحـًا فتبقى سرمدًا أبدًا .
بين الجوانِحَ في الأعماقِ سُكْنَاهَا ... فكيف تُنسى ومن في الناس ينساها
الأذن سامعـةٌ والعيـنُ دامعـةٌ ... والروحُ خاشعةٌ والقلبُ يَهْوَاهَــا

فيا معاشر الدعاة إذا أردتم أن تنفعوا وتنتفعوا فعليكم بالإخلاص، وإياكم والأخرى فتكون العاقبة : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود/15 ، 16) ، وقال تعالى : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)(الفرقان/23) .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة