الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهمية إعداد الدعاة

أهمية إعداد الدعاة

أهمية إعداد الدعاة

الدعاة إلى الله هم طليعة صلاح الأمة ، ومبتدأ هدايتها ، ودليلها إلى طريق الله الذي هو طريق العز والنصر والتمكين، وطريق الفوز في الدنيا والآخرة .. هذا أمر يكاد أن يكون محل إجماع أولي العقل والنهى ، وأصحاب البصائر والبصر بوقائع الدهر وتصريفات الأيام والدول .
فالداعية هو العامل الفذ الذي ينفرد بالتأثير والتوجيه في عملية الدعوة ؟ إذ لا يشاركه في ذلك ـ عادة ـ منهج موضوع، ولا كتاب مقرر ، ولا إدارة ، ولا توجيه . فالداعية وحده هو ـ في غالب الأمر ـ الإدارة والتوجيه ، والمنهج والكتاب والمعلم ، وعليه وحده يقع عبء هذا كله .
وهذا يجعل العناية بتكوين الدعاة ، وإعدادهم الإعداد المتكامل ، أمرًا بالغ الأهمية ، وإلا أصيبت كل مشروعات الدعوة بالخيبة والإخفاق ، في الداخل والخارج ؛ لأن شرطها الأول لم يتحقق ، وهو الداعية المهيأ لحمل الرسالة " .

وإذا كان الأمر كذلك فإن من الواجب على أولي الأمر في كل قطر إسلامي أن يعملوا على تكوين أجيال من الدعاة ذوي الكفاءات العالية والمستوى الراقي في العلم والعمل وحمل أمانة تبليغ هذا الدين والخوف على الناس والشفقة عليهم من أن يكونوا من أصحاب الجحيم ، وعلى ولاة الأمر أن يعلموا أن هؤلاء الدعاة هم الذين يشكلون عقول الناس إذا أتيحت لهم الفرصة الصالحة لذلك ، وبقدر وعي الداعي وفطنتنه وإحاطته بعلوم الدين ومجريات الأحداث تكون ثقافة الأمة ، ولذا ينبغي على ولاة الأمور ـ والمسؤولين عن الدعوة والعاملين فيها ـ ألا يتهاونوا في تكوين الدعاة وحسن تنشئتهم علميا وثقافيا حتى لا تضيع الأمة بأسرها .

يقول الشيخ الغزالي : " إن تكوين الدعاة يعني تكوين الأمة ، وأثر الرجل العبقري فيمن حوله كأثر المطر في الأرض ، وأثر الشعاع في المكان المتألق ، والأمم العظيمة ليست إلا صناعة حسنة لنفر من الرجال الموفقين ".

إن عوام الناس وجماهيرهم في عامة الأحايين لا وزن لهم ، ولا تأثير حقيقيا في واقع الحياة وتاريخ الناس ، بل يظلون في أماكنهم حيارى حتى يجيء القائد الممتاز فيوجههم هنا وهناك .
ومن ثم فإن سبيل النهضة الناجحة لا يتمهد إلا إذا استطعنا بناء جماعات من الدعاة تكون بمثابة طلائع النور في أمة طال عليها الليل ، وبوادر اليقظة في أمة تأخر بها النوم ، وأمل العالم في عصر أجدبت فيه الدنيا من رسل الرحمة واليقين ، وامتلأت بزبانية الأثرة والإلحاد " .

إن عبء الدعوة ثقيل ، ومهمة هداية الناس عمل جليل ، ومن ثم وجب أن يختار الدعاة من بين صفوف الأمة وفق معايير معينة ، وألا يترك هذا الأمر للظروف تفرضه ، مما يدفع بالعجزة والقاصرين والجاهلين إلى هذا المجال الحسَّاس فيكون الضرر لا النفع .

أمور ينبغي توفرها
ولهذا العامل في حقل الدعوة أمور ينبغي أن تتوفر فيه بداية حتى يتهيأ لهذا العمل الجليل وذاك الجهد الشاق:
أول هذه الأمور: الإحساس بعظمة هذا الدين وأنه هو الدين الحق الذي يلزم الناس اتباعه ، والعلم بأن كل من لم يكن من أتباعه فهو من أهل النار{ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } (آل عمران:85) .

ثانيها : الغيرة على التوحيد ، والغضب لله تعالى أن يشرك به أو أن يعصى ، والشفقة على الناس ، والخوف عليهم من الوقوع في غضب الجبار وإرث عذاب النار، فلا يكون أقل من هدهد سليمان الذي ارتعدت فرائصه لما وجد قوما يسجدون للشمس من دون الله وقال متعجبا : { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ، الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } (النمل:25) .

الثالث : علو الهمة ، لأن خسيس الهمة لا يصلح لمثل هذا الأمر ، لأنه عمل شاق يحتاج إلى بذل وتضحية ، بالوقت والمال ، وربما بالنفس في كثير من الأحيان ، وهذا أمر لا يقدر عليه كل إنسان ولا يوفق له كل أحد ، وإن لم يكن الداعية على قدر المسؤولية: ثابتا عند الشدائد ، رابط الجأش عند النوائب فإن ضرر مثله على الدعوة أكثر من منفعته .

الرابع : الرغبة في حمل الرسالة ، والتيقن بأن الانتساب إلى الدعوة شرف ورفعة قدر ، وأن نكوصه عن العمل لن يضر الدعوة بل يضره هو : { وإن تتولوا يستبدل قوما غركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (محمد:38) .
وروى عن عكرمة قال : قال عيسى ـ عليه السلام ـ : " لا تطرح اللؤلؤ إلى الخنزير ، فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئـًا ، ولا تعط الحكمة لمن لا يريدها ، فإن الحكمة خير من اللؤلؤ ، ومن لا يريدها شر من الخنزير " .

ومنها : حسن السيرة ، والحرص على المبادرة بالعمل بما يسمع ويقرأ ، وذلك حتى لا تؤثر فيه عاداته السيئة بعد انتسابه للدعوة ، وانضمامه إلى صفوفها ، فيصير فتنة تصُدُّ الناس عن طريق الله تعالى . إلا أن يتوب منها توبة نصوحا ، ويتبرأ من سالف سيئ الأخلاق ، فإن التوبة تجب ما كان قبلها.

يقول الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه : " لا يؤخذ العلم من أربعة ، ويؤخذ ممن سوى ذلك ، لا تأخذ من سفيه معلن بالسفه ، وإن كان أروى الناس ، ولا تأخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس ، إذا جُرِّب ذلك عليه ، وإن كان لا يتهم أن يكذب على رسول الله ، ولا من صاحب هوىً يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخ له فضل وعبادة ، إذا كان لا يعرف ما يُحَدِّث ".
فإذا روعي في الداعية هذه المواصفات عند اختياره ، فإن من الواجب ـ بالإضافة إلى ما سبق ـ مراعاته بالتجارب العملية ، واختباره قبل تقليده المسؤولية ، حتى يتخير له المكان المناسب لإمكاناته ، ليتمكن من الإبداع فيه، والانتفاع به قدر الطاقة.

إن اختيار الداعية أمر خطير له أثره على الدعوة والمدعوين ، فلزم أن يحتاط في اختيار العاملين في هذا الحقل الهام ، وإذا كانت بعض المؤسسات تعقد اختبارات لاختيار المتقدمين للعمل فيها ، وبعض الكليات تقيم اختبار هيئة ولا تقبل إلا من توفرت فيه شروط خاصة ، فليس العمل في الدعوة بأقل من هذا ، بل هي أحرى فإن الدعاة هم لسان الأمة ، وقلبها النابض ، ومظهر عزتها وكرامتها في الدنيا والآخرة.

إن المجتمع لا يسند جليل المهام لمغفل أو أحمق ، ولا يعرف لهؤلاء في المجتمع مكان ، فهل من اللائق أن ينفوا من دنيا الناس ، ليتصدروا في دين الله ؟ إن دين الله أرقى وأشرف من أن نتعامل معه بهذا الأسلوب .
......................

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة