الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مكانة الداعية وفضله

مكانة الداعية وفضله

مكانة الداعية وفضله

الدعاة إلى الله هم الشموع ، التي تحترق لتضيء للناس طريق الهدى والحق والضيا ، وهم وعي الأمة المستنير ، وفكر الأمة الحر ، وهم قلب الأمة النابض ، وأطباء القلوب المريضة ، والنفوس الجريحة ، بل هم قادة سفينة النجاة في وسط الرياح الهوجاء ، والأمواج المتلاطمة .

والداعي إلى الله هو المبلغ للإسلام ، والمعلم له ، والساعي إلى تطبيقه ، وهو الذي يدل الناس على ربهم ، ويحدو بهم لتطبيق مبادئ الإسلام ، التي هي ـ في خلاصتها ـ دعوة إلى مكارم الأخلاق ، وإقامة العدل بين الناس .. ومن ثم كانت الدعوة من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله ، ولذلك اختار الله للقيام بها صفوة الخلق وأحبهم إليه وهم الأنبياء والمرسلون ، وأقربُ الناس إليه تعالى بعدهم أمثلُهم بهم طريقة وأشبههم بهم سلوكـًا في العلم والعمل .

ومكانة الداعي في الإسلام مكانة عظيمة ، وقوله في الدعوة أحسن الأقوال في ميزان الله الذي هو أصدق وأعدل الموازين، قال سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت/33) .

روى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الحسن أنه قال في تفسير هذه الآية : " هذا حبيب الله ، هذا وليُّ الله ، هذا صفوةُ الله ، هذا خيرةُ الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله من دعوته ، وعمل صالحـًا في إجابته ، وقال إنني من المسلمين، هذا
خليفة الله" .(ابن كثير : 4/102) .

وفضل الدعاة ظاهر في كل جانب من جوانب دعوتهم ووظيفتهم : فموضوع دعوتهم هو الدلالة على الله وكيفية الوصول إلى جنته ورضاه ، والنجاة من سخطه وغضبه ، كما قال مؤمن آل فرعون : {ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ، تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار} (غافر:41،42) .. ولذلك كان قولهم أحسن الأقوال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ }

وأما وظيفتهم ومهمتهم فهي أشرف الوظائف على الإطلاق ؛ لأنها وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أشرف البشر وأكرمهم عملا : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } (الأنبياء:25) ، { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} (النساء:165) .
فمهمة الدعاة هي مهمة الأنبياء والمرسلين ، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم من المصلحين { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} ( يوسف 108)

وأما من حيث الأجر والثواب : فقد وعدهم الله بالأجر الكبير والفضل الكثير ، بالغلبة في الدنيا ، والفلاح يوم الدين : { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } (غافر:51) .. وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعلي يوم خيبر: [انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئـًا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئـًا ].
وقال صلى الله عليه وسلم : [معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر ](رواه الطبراني وغيره وهو صحيح) .

ولما كان الدعاة الصادقون المخلصون قوما يعيشون لدعوتهم ، ولأمتهم ، ولمجتمعهم ، فدعوتهم همهم بالليل والنهار ، وهي فكرهم في النوم واليقظة ، وشغلهم الشاغل في السر والعلن، يؤثرون من أجلها التعب والنصب ، ويضحون في سبيلها بالوقت والجهد والمال ، بل وبالمهج والأرواح ، ويستعذبون ، في سبيل نشرها وإبلاغها ، البلاء الشديد والعذاب الأليم ، لسان حالهم:
منـاي من الدنيا علوم أبثها ... وأنشــرها في كل باد وحاضـر
دعاء إلى القرآن والسنن التي ... تناسى رجال ذكرها في المحاضر

فقد استحقوا بذلك تكريم الله لهم ، وتشريفه إياهم بقوله تعالى فيهم: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين } ( فصلت 33). وكفى بهذا فضلا وكرما.. والحمد لله رب العالمين.
.......................

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة