الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فمن تمتع بالعمرة

فمن تمتع بالعمرة

فمن تمتع بالعمرة

قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} (البقرة:196) بعد أن ذكر سبحانه ما يترتب من جزاء على المحرم حال الإحصار، أعقبه بذكر ما يترتب عليه حال الأمن؛ فذكر سبحانه حكم التمتع في أيام الحج؛ والتمتع: هو الجمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج، على تفصيل في ذلك بيَّنه الفقهاء.

والذي يعنينا في هذه الجملة من الآية، أن المحرم إذا تمكن من أداء مناسك الحج، وكان محرماً بالحج والعمرة معاً (قارناً)، أو كان محرماً بالعمرة، ثم أحرم بالحج بعد الانتهاء من العمرة (متمتعاً)، فإن عليه ذبح، وأقلُّه شاة على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ ويمكن أن يشترك سبعة أنفار بذبح بقرة أو ناقة.

وقد ثبت في "الصحيحين" من حديث عمران بن حُصَين رضي الله عنه أنه قال: نزلت آية المتعة -يقصد قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}- في كتاب الله، وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم ينـزل قرآن يحرمها، ولم ينه عنها حتى مات. وهذا الحديث يدل على بقاء مشروعية التمتع في أشهر الحج.

ويلاحظ أن الآية الكريم جاءت بلفظ "التمتع" على المعنى اللغوي، أي: الانتفاع، وأشارت إلى ما أسماه الفقهاء "التمتع" و"القِرَان" وهما من شريعة الإسلام، التي أبطل بها شريعة الجاهلية.

وصورة (التمتع) عند الفقهاء: أن يُحْرِم الحاج بعمرة في أشهر الحج، ثم يتحلَّل منها، ثم يحج من عامه نفسه، قبل أن يرجع إلى بلده. أما (القِرَان) فصورته أن يجمع المحرم بين نية الحج والعمرة معًا في إهلال واحد، أي إحرام واحد؛ وقد شرع سبحانه ذلك رخصة للناس، وإبطالاً لما كانت عليه الجاهلية من مَنْع العمرة في أشهر الحج.

وللعلماء تفصيل وافٍ في بيان أقسام الحج، ذكرناها في مقالنا "أنواع النسك"، فَلْيُرْجَعْ إليه من أراد المزيد من الإيضاح والبيان.

وقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} (البقرة:196) هذه الجملة من الآية عطف على قوله تعالى: {فمن تمتع} والمعنى: أن من جَمَع بين نُسُكَيْ الحج والعمرة فعليه هدي، فإن لم يتمكن من تقديم الهدي، فالواجب في حقه حينئذ صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة أيام إذا رجع إلى وطنه.

قال العلماء: والأولى أن يصوم الأيام الثلاثة في عشر ذي الحجة، قبل يوم عرفة؛ وفي وقت صيام هذه الأيام أقوال أُخر ذكرها المفسرون.

هذا، وقد جعل الله الصيام بدلاً عن الهدي، زيادة في الرخصة والرحمة، ولذلك شرع الصوم مفرقًا، فجعله عشرة أيام، ثلاثة منها في أيام الحج، وسبعة بعد الرجوع من الحج.

وقوله سبحانه: {تلك عشرة كاملة} للعلماء في هذه الجملة من الآية أقوال:

فقال بعضهم: هو من باب التأكيد، كقوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه} وكما تقول العرب: رأيت بعيني، وسمعت بأذني.

وقال آخرون: معنى {كاملة} الأمر بإكمالها وإتمامها، وهذا اختيار الطبري رحمه الله.

وقال قوم: معنى {كاملة} أي: مجزئة عن الهدي.

قال بعض أهل العلم: فائدة جَعْلُ الصيام في مدة الحج، جَعْلُ بعض العبادة عند سببها -وهو هنا عدم القدرة على تقديم الهدي- وفائدة التوزيع إلى ثلاثة وسبعة، أن كليهما عدد مبارك، ضُبِطَت بمثله الأعمال الدينية والقضائية.

وقوله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} الإشارة بـ {ذلك} في الآية يعود على هدي التمتع، أو بدله من الصيام، وحاضرو المسجد الحرام: هم أهل مكة؛ والمعنى: إن الهدي يكون على غير أهل مكة؛ لأن التمتع بفعل العمرة وقت الحج أغناهم عن السفر لأجلها خاصة؛ أما المكي فليس عليه هدي؛ لأنه لا مشقة عليهم في إعادة العمرة.

ثم ختم سبحانه هذه الآية الكريمة بقوله: {واتقوا الله واعلموا أَن الله شديد العقاب}

أمر سبحانه بالتقوى في هذه الآية، بعد أن بيَّن الأحكام المتعلقة بالحج، التي لا تخلو من مشقة، للتحذير من التهاون بها. والمعنى على هذا: اتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه. وأكد سبحانه أمره بالتقوى بقوله: {واعلموا} إيذاناً بالاهتمام بما سيقوله، وبياناً إلى أن من يخالف أمره، ويرتكب ما زجر عنه، فعقابه من الله شديد.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة