الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شهـــــادة القائد العام للقوات المصرية في فلسطين

شهـــــادة القائد العام للقوات المصرية في فلسطين

شهـــــادة القائد العام للقوات المصرية في فلسطين

في سبتمبر سنة 1947 قرأت في الصحف عن المناقشات الدائرة حول تقسيم فلسطين وسمعت كلاماً كثيراً عن استعدادات الدول العربية وجهودها لوقف التقسيم ولو بالقوة ، ولكني لم أدرك أن الظروف قد تتطور إلى ما تطورت إليه فعلا ً ولم يخطر لي أيضاً أنه سيكون لي دور في هذه التطورات !

ثم سمعت عن مؤتمر عقده الفريق إبراهيم عطا الله رئيس هيئة أركان حرب الجيش في ذلك الوقت ، وسمعت أن للمؤتمر صلة بما حدث في فلسطين ولكنني تأكدت أن المؤتمر كان هدفه إنشاء معسكر تدريب في العريش .

وكان في هذا المؤتمر قادة الأسلحة .. ولم أكن بينهم . والتفت عطا الله إلى الجالسين حوله وقال بالنص:
- مين حا يكون قائد القوة في العريش ؟ يا جماعة ياللي قاعدين من يحب يروح ؟!

وقال اللواء محمود شاهين الذي كان حاضراً الاجتماع : أنا أروح ..

ثم قال اللواء موسى لطفي :

- شاهين بتاع طوبجية لا يعرف في التدريب ، ابعثوا مدير المشاة !

وكنت أنا مدير المشاة ، وهكذا وقع الاختيار علي .

وقد حاولت أن أعترض على هذا القرار وسألت :

هل الغرض هو التدريب فقط ؟

قالوا : نعم !

قلت : هل تبعثون بمدير المشاة لكي يدرب أورطة واحدة فقط !

ولم تكن هناك فائدة من كثرة الكلام فبدأت أستعد للذهاب.

وكانت في رأسي صورة واضحة عن أحوال التدريب في الجيش ، فقد كنت قبل عملي مديراً للمشاة أعمل في لواء التدريب.

وسافرت إلى العريش ، وكان الاتفاق على أن تجيئني كتائب الجيش لتدريبها كتيبة كتيبة ، ولكني لما وصلت إلى المعسكرات المخصصة للتدريب وجدت أن ليس فيها معدات للتدريب.

ورجعت إلى القاهرة أطلب مقابلة رئيس أركان الحرب وقدمت له قائمة بطلباتي ، وقال لي الفريق عطا الله : - أنت عاوز مني إيه .. أنفض لك الأورط !؟

ومع ذلك عدت إلى العريش ولكن كانت بيننا وبين التدريب استحالات مادية . وفي تلك الفترة كتبت تقارير طويلة أطالب فيها بما يجعل التدريب مجدياً ، وفي تلك التقارير قلت إنه ليس عندي أسلحة كاملة ولا سيارات ولا معدات ولا ذخائر ولا ضباط ولا صف ضباط .

ولقد عرفت بعد ذلك التأثير الذي أحدثته تقاريري !

عدت إلى القاهرة وطلبت مقابلة عطا الله ولكنه رفض مقابلتي ، حتى التقيت به بالمصادفة في صالة رئاسة أركان الحرب فتقدمت منه أشرح موقفي وقال لي : - يا أخي إنت خلصت الورق في الكتابة . ثم قال لي :

- اسمع أنا حأجيك مرور في العريش .

وذهبت إلى العريش وبعد مدة جاءنا عطا الله ، وكانت أسنانه تصطك من البرد ولم يقض معنا وقتاً بل أسرع عائداً إلى القاهرة !

وبعدها جاء الفريق محمد حيدر وزيراً للحربية .. وخرج الفريق عطا الله من رئاسة أركان حرب الجيش .

وفي ذلك الوقت كثرت أحاديث الصحف عن فلسطين ومنها وحدها كنت أستقي معلوماتي .

وأذكر أن ضباطاً جاؤوا من القاهرة ودخلوا إلى فلسطين لأعمال خاصة بالحصول على معلومات ورأيت من واجبي أن أذهب إلى القاهرة .. وأقابل الوزير الجديد وأشرح له الحالة .

وقابلت الفريق محمد حيدر فعلاً وشرحت له في أول مقابلة كل أفكاري عن التدريب ، وما نحتاج إليه من معدات .

وقال الفريق محمد حيدر: - بعدين أقول لك.

وبعدها زارنا حيدر في العريش ، وبدأ يحاول تكملة النقص عندنا .

وفي ذلك الوقت اصطدمت بمشكلة أخرى .. هي مشكلة قواد الكتائب الذين لا يريدون أن يعملوا ..

كان رأيي أن تبقى كل كتيبة في معسكر التدريب ستة شهور .

ولكن قواد الكتائب لم يعجبهم أن يبقى الواحد منهم ستة شهور متصلة في العريش.

وفي ذلك الوقت جاءتني الكتيبة التاسعة ، أول كتيبة كان عليّ تدريبها .

ولم تقض الكتيبة في التدريب إلا ثلاثة شهور ثم قفلت عائدة إلى مصر، وأوصيت أنا أن تذهب الكتيبة إلى منطقة الربيكي على طريق السويس لتكملة تدريبها ، ولكني علمت بعد ذلك أن الكتيبة أصبحت كتيبة أمن عام ، وأنها وضعت في هاكستيب لمقاومة مظاهرات الطلبة .

وكانت عائدة من السودان ، وكانت مهملة في ملابسها ومهماتها وذخائرها .

وقررت أن أبدأ بعمل طابور معركة لهذه الكتيبة لأرى كيف تستطيع أن تعمل ، وحددت لها مشروعاً يبدأ من العريش إلى موقع يبعد سبعين كيلو متراً عنها ، وبدأت العيوب تظهر : وقفت الحمالات والمدافع واللوريات على الطريق معطلة .

وبينما العملية مستمرة تلقينا إشارة من مدير العمليات ، وكان اللواء موسى لطفي وقتها وكانت الإشارة تقضى برجوع الكتيبة إلى مصر.

واتصلت بموسى لطفى في التلفون أقول له : إن الكتيبة في وسط التدريب . وقال موسى لطفى ثائراً : تدريب إيه.. إحنا عاوزينها بسرعة ،وبينما هي في الطريق انتهت أزمة إضراب البوليس .

وبعدها وجدت أن لا عمل لي في معسكر التدريب ، فعدت إلى القاهرة أحاول أن أفهم ما يجري .

تكلمت بصراحة ... وكتبت أكثر من خطاب سري أسأل : ما هو الغرض ؟

وقالوا لي : التدريب .

قلت : هذا كلام غير معقول.

وأخيرا قالوا لي : سوف نسأل الجهات المختصة .

ثم عقد بعد ذلك مؤتمر قالوا لي فيه : - إيه طلباتك ؟

قلت : لا أستطيع أن أحدد طلباتي إلا إذا قلتم لى ما هو طلبكم .

وبعد مناقشات ومداورات قالوا : هل تذكر تقريرك السابق ، فقد كنت تطلب المعدات لتدريب كتيبة وسوف تنفذ لك طلباتك في هذا التقرير.

وجاء يوم 10مايو 1948.

وكنت في العريش وتلقيت رسالة تطلب حضوري بسرعة إلى القاهرة ودعيت لمقابلة الفريق محمد حيدر الذي سألني :

- إيه الحالة عندك ؟

قلت : سيئة للغاية ؟

قال : سوف نضطر لدخول حرب فلسطين !

قلت : إن الوحدات غير مدربة.

لقد كنت مسؤولاً عن التدريب في الجيش وأنا أعلم حالته ، وكنت قائداً لسلاح المشاة وأنا أعلم حالة جنودنا ، وكنت قائداً لمعسكر التدريب في العريش وأنا أعلم أننا غير مستعدين إطلاقاً .

وسكت حيدر بعض الوقت ثم قال لي:

- اسمع يا مواوي ، دولة النقراشي جاي يحضر اجتماع في رياسة الجيش ، تعال معي وقل له هذا الكلام كله .

وذهبت إلى الاجتماع وجلست أمام النقراشي أروي له معلوماتي بصراحة ، وقال لي النقراشي :

- إن موقفنا بين الدول العربية يحتم علينا الدخول.

ثم تكلم النقراشي طويلاً ، تصور دولته - رحمه الله - أنني خائف من العملية. وكان أبرز ما قاله : إنه يعتقد أن المسألة ستسوى سياسياً بسرعة وإن الأمم المتحدة سوف تتدخل . قال لي : إن الاشتباكات ستكون مجرد مظاهرة سياسية وليست عملاً حربياً.

وكتبت تقريراً رسمياً بكل آرائي :

ثم أطعت الأوامر الصادرة لي بالسفر .. وركبت الطائرة إلى العريش

وفي اليوم السابق للعملية جاءتني الخطة في مظروف سري وصلني بالطائرة

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة