الجهاد في الإسلام وموقفه من قتل المدنيين
- اسم الكاتب:
الشيخ / علاء رجب - تاريخ النشر:21/04/2002
- التصنيف: 11 سبتمبر .. تقويم جديد .. ومفاهيم ملتبسة
قضى الله جل شأنه أن تكون الأمة الإسلامية هي خير أمة أخرجت للناس ( كنتم خير أمة أخرجت للناس .. ) أي كنتم خير الناس للناس ، بمعنى : أنفع الناس للناس ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : معناه : كنتم خير الناس للناس ، تأتون بهم في السلاسل فتدخلونهم في الإسلام .
ولهذا فإن بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة الإسلام ذاته ، ودوره في هذه الأرض ، وأهدافه العليا التي قررها الله ، وذكر أنه أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة وجعلها خاتمة الرسالات .
ولئن كان للجهاد حكم بالغة وأهدافٌ جليلة - لأن الذي شرعه هو العليم الحكيم - إلا أن الهدف الرئيس منه هو تعبيد الناس لله وحده ، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد سبحانه وتعالى .
والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله عز وجل : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) هذا هو الهدف السامي للإسلام ، المتضمن لإعلاء كلمة الله ، وإقامة سلطان الله في الأرض .
فالحرب في نظر الإسلام ليست ثأرًا ، ولا حبًا في سمعة، ولا رغبة في مكسب .. فهي تأديب وشفقة على الصادّين رحمة الله المبتعدين بأنفسهم عن الخير . ولهذا فلا مُثْلة ولا غدر ، ولا قتل للنساء والصبيان ، ولا تجويع للأعداء ، ولا تدمير ، ولا هدم ولا تحطيم ولا إفساد ،
فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ، ومن معه من المسلمين خيرًا ثم قال :
اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، ولا تغلّوا ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدًا . وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال : فأيتهن أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم -رواه أحمد ومسلم والترمذي
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال : اخرجوا باسم الله تعالى ، تقاتلون في سبيل الله ، من كفر بالله ، ولا تغدروا ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصنائع .
قال في كشف الغمة : قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل قومًا قط إلا بعد دعائهم إلى الإسلام ، فإذا أبوا قاتلهم ، وكان يقول لأمير السرية : إذا نزلت بساحتهم فادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم ؛ فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل الولدان ، والتمثيل بالمقتولين .
ومن هذه النصوص يتضح : أن القائد المسلم يسير إلى المعركة مجهزا بنفسية عالية تحترم إنسانية البشر ، فلا اعتداء على مصنع ، ولا على مدني لا يحمل السلاح ، ولا يُقتل طفلا ، ولا امرأة ، ولا اعتداء على شيخ هرم ، ولا مثلة ، ولا خيانة .
ولقد سار على هذا المنهج النبوي الخلفاء الراشدون المهديون ، ففي الموطأ عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشًا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان - وكان أمير ربع من تلك الأرباع - فقال أبو بكر : إني موصيك بعشر : لا تقتلن امرأة ، ولا صبيًا ، ولا كبيرًا هرمًا ، ولا تقطعن شجرًا مثمرًا ، ولا تخربن عامرًا ، ولا تقعرن شاةً ولا بعيرًا ، ولا تحرقن نخلاً ولا تغرقنه، ولا تغلل ، ولا تجبن .
وإننا لنضع هذه المبادئ التي طبقت بالفعل في سرايا النبي صلى الله عليه وسلم وغزواته أمام وحشية الحروب الحديثة .
إننا لم نسمع ولم نر في تاريخ الفتوح الإسلامية ما نسمعه ونعلمه في الحروب الصليبية - قديمًا وحديثًا - عندما اقتدر أصحاب شريعة المسالمة – كما يسمون أنفسهم – عند محاربة غيرهم من قتل الشيوخ والنساء والأطفال وهتك الأعراض ، وما ممارسات النصارى الصرب في البوسنة وكوسوفا والشيشان إلا دليلاً ناصعًا على الأخلاقيات الدنيئة في الحرب المعاصرة .
لم تقع حرب إسلامية بقصد الإبادة كما وقع كثير من الحروب بأيدي غير المسلمين من الصليبيين وغيرهم ، في العصر الحديث .
وعلى مرأى ومسمع من الأمم المتحدة تمارس إسرائيل حربًا لا يقرها خلق ولا دين من هدم للمنازل ، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ العزل ، وتدمير للبنية التحتية كما يقال .
الحرب في الإسلام أساسها إعلاء كلمة الله لا غير . والحروب في غير الإسلام للاستيلاء والسيطرة على الأرض والمال والنفوس والأرزاق .
هي في الإسلام ليتعلم الناس كيف يعبدون ربهم الحق .
وإن المتأمل في مسيرة الجماعة المسلمة الأولى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يرى أنها ظلت ثلاثة عشر عامًا تبنى العقيدة ، وتربي الضمير ، وتزكي النفوس . ولم يفرض الجهاد - بمعنى القتال - عليها إلا في المدينة ؛ حيث توجد سلطة لديها قوة ، لأن الجهاد (أي القتال) يحتاج إلى ضبط أخلاقي كبير ؛ لأن ممارسته تجعل القائمين به ميالين للتجاوز ، وكم ارتكبت كثير من أعمال النهب والسلب والاعتداء في ساحات الحرب .
ولكن الحرب الإسلامية كانت منضبطة أخلاقيًا وحركيًا ، لأن القتال مقصود به كسر شوكة الممتنعين عن الدخول في الإسلام دون قصد قتلهم، بدليل أن النساء والأطفال والرهبان والشيوخ لا يقتلون ، وإنما يقتل المحاربون .
وفي فقه الجهاد نجد ضوابط كثيرة تضبطه ، منها الدعوة قبله إلى الإسلام ، أو قبول الجزية ، وعدم قتل الأطفال والضعفاء وعدم التحريق والمثلة والغدر ، أي أنه في النهاية عمل تربوي أخلاقي