الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

البيئة العربية حال مجيء دعوة الإسلام

البيئة العربية حال مجيء دعوة الإسلام

البيئة العربية حال مجيء دعوة الإسلام


بعث النبي صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل ، والبشرية تعج بالكفر والضلال والانحلال ، وماسبق من بحوث عن جزيرة العرب يبين هذا الأمر وفي هذا المقال سنقف على بعض النواحي التي تتعلق بالبيئة التي بدأت فيها دعوة الإسلام .

تقع مكة في بطن واد ، وتشرف عليها الجبال من جميع النواحي ، فإلى الشرق يمتد جبل أبو قبيس وإلى الغرب جبل قعيقعان . ويمتدان بشكل هلال فيحصران عمران مكة ، وتعرف المنطقة المنخفضة من الوادي بالبطحاء ويقع بها البيت العتيق ، ويحيط بها دور قريش ، أما المنطقة المرتفعة فتعرف بالمعلاة ، أما عند طرفي الهلال فتقوم دور ساذجة لقريش الظواهر وهم أعراب فقراء أصحاب قتال ، لكنهم دون قريش البطاح في التحضر والغنى والجاه .

وكانت صلات النسب بين قريش وكنانة ـ حيث أن قريشا تنتمي إلى كنانة التي تسكن قريبا من مكة ـ تعطي مكة عمقاً استراتيجياً ، وقد وثقت صلة النسب بالمحالفات أيضا ، وكان الأحابيش الذين يعيشون قريبا من مكة حلفاء لقريش أيضا ، وكانوا يستخدمون في حراسة القوافل المكية ، وامتدت الأحلاف لتشمل القبائل التي تقع على خطوط التجارة المكية إلى الشام والعراق واليمن ، والاقتصاد التجاري يحتاج إلى الأمن ، وقريش كانت تستعمل سياسة الحلم واللين وليس القوة للوصول إلى غاياتها التجارية وأمان طرقها الخارجية . ولم تدخل قريش في حروب قبل الإسلام سوى حروب الفجار الأربع التي هي حروب صغيرة ومناوشات . وقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم آخرها وهو الفجار الرابع وعمره عشرون سنة ، ولم تحرز قريش النصر على الأعراب في تلك المناوشات . وقد ساعدها على تحقيق الأمن وجود الكعبة التي يحج إليها العرب من شتى الأصقاع حيث تحبط بها أصنامهم الستون والثلاثمائة .

وقد اتسم ( الملأ ) بالمحافظة الشديدة على العقائد والتقاليد والأعراف السائد لتأكيد حقوقهم الموروثة ومكانتهم الاجتماعية ومصالحهم الاقتصادية وكل ذلك بتحقق بالمحافظة على الأوضاع السائدة ووحدة أهل مكة ، مما يفسر شدة مقاومتهم للإسلام عند ظهوره ، فقد رأوا فيه تهديدا لوحدة قريش ، وأغاظهم جدا أن يهاجر المسلمون إلى الحبشة ثم المدينة .

وقد قام أبناء قصي وأحفادهم بأعمال مهمة أدت إلى ازدهار مكة وبنفس الوقت أبرزت مكانتهم وفضلهم وشرفهم ومكنت لسيادتهم ، فإن قصيا هو الذي جمع قريشا ومكن لها في مكة ونظم شؤونها ، وأمسك أبناؤه بزمام وظائفه من بعده من السقاية والرفادة والحجابة واللواء والندوة ، وتمكن هاشم بن عبد مناف بن قصي من عقد " الايلاف " وتوسيع نطاق التجارة المكية بإخراجها من الحدود المحلية إلى الدولية ، وقام بحفر عدة آبار لخدمة قريش والحجيج معا ، وعرف المطلب أخو هاشم بالنسك والأمر بترك الظلم والبغي والحث على مكارم الأخلاق ، وعرف عبد المطلب بن هاشم بـ" الفياض " لجوده وبـ"شيبة الحمد " لكثرة حمد الناس له ، وقد اشتهر بحفر ماء زمزم التي طغت على مياه آبار مكة الأخرى .

وكان أبناء قصي قبل حفرها يأتون بالماء من آبار خارج مكة ، ولم يكن عبد المطلب أغنى رجل في قريش ولا زعيم مكة الوحيد ، لكن صلته بشؤون البيت العتيق وخدمة الحجيج جعلته من وجهاء مكة وهو الذي حادث أبرهة عندما غزا الأخير مكة .

و قبيل ظهور الإسلام تولي أبو طالب بن عبد المطلب الرفادة والسقاية ولم يكن له مال ينفقه في هذا السبيل فاستدان من أخيه العباس بن عبد المطلب عشرة آلاف درهم فأنفقها ، ولما لم يتمكن من رد المبلغ تنازل عن الرفادة والسقاية إلى العباس بن عبد المطلب . وهكذا فإن عشيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تتبوأ مكانة اجتماعية خاصة في مكة عند ظهور الإسلام ، ورغم أنهم كانوا وسطا في الثراء ، وربما كانوا دون أوساط تجار مكة .

إن أصدق مصدر يبين عقائد الجاهلية هو القرآن الكريم ، من خلال جدله الديني مع المشركين وتفنيد عقائدهم ، وقد بين الله تعالى في القرآن أن العرب المشركين كانوا يعبدون آلهة لتقربهم إلى الله زلفى ولتشفع لهم عنده . وقد أعماهم التقليد عن نقد تراثهم العقدي وتحكيم العقل والأخذ بالدليل الصحيح، واستتبع الانحراف في العقيدة انحراف في العبادة والسلوك والشعائر والشرائع ، فإذا بمناسك الحج تدخلها الوثنية، حيث وضعت الأصنام حول الكعبة ، وجرى الطواف حولها مع التعري من الثياب أحيانا ، وأصبحت قريش أخيراً لا تخرج إلى عرفات بل تقف بمزدلفة خلافا للناس.


وهكذا ابتدعوا وشرعوا ما لم يأذن به الله مع ادعائهم أنهم على شريعة أبيهم إبراهيم عليه السلام .

وكان تصورهم لله فيه قصور ونقص ، فهم ينحرفون عن الحق في أسمائه وصفاته فينكرون بعض صفاته ويسمونه بأسماء لا توقيف فيها أو بما يوهم معنى فاسداً ، وينسبون إليه النقائص كالولد والحاجة ، فزعموا أن الملائكة بنات الله ، وجعلوا الجن شركاء له سبحانه ، وجحدوا القدر واحتجوا به على الله تعالى . ومن معتقداتهم إنكار البعث ، فعبادتهم للاة وتقربهم للأصنام بالقرابين والنذور ليس من أجل الآخرة، بل لتحقيق مطالب دنيوية مثل : زيادة الأموال ودفع الشر والضرر عنهم في هذه الدنيا إذ لا علم لهم بالآخرة ، ويستثنى من عموم المنكرين للبعث عدد ممن كانوا يقولون بالبعث .

وبالجملة: فأمور الناس قبل البعثة كانت في حالة من السوء لا توصف فجاء الله بهذا الخير ، فمن قبله صلح أمره في الدنيا والآخرة، ومن رده شقي في الدنيا والآخرة . والله أعلم .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة