الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رمضان وتقوية الإرادة

رمضان وتقوية الإرادة

إن الإنسان يمثل مملكة كاملة، يقوم الفكر فيها بوظيفة التنبيه والإرشاد وإعطاء قوانين الإدارة والسلوك في هذه المملكة.

ويستمد الفكر ذلك كله من عدة مصادر، من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومن الشريعة الربانية، ومن التجارب العملية، والمعارف التي توصل إليها الناس.

وتمثل الإرادة السلطة التنفيذية في مملكة الإنسان، وهذه الإرادة كلما كانت قوية حازمة عاقلة ملكت السلطة التنفيذية، أما إذا كانت ضعيفة متخاذلة فإنها تهون وتستكين وتخضع للأهواء والرغبات والشهوات.

وإن الإنسان لتتنازعه الرغبات والحاجات والأهواء، وبعض هذه الرغبات صالح وبعضها فاسد.

وعلى مقدار استقامة العبد في سلوكه وأفعاله نستطيع قياس قوة إرادته. وعلى قدر انحرافه في سلوكه، وتخبطه مع أهوائه وشهواته وغرائزه نستطيع قياس ضعف إرادته.

وحين تشتد هذه الأهواء والرغبات في النفس وتلح على أصحابها باكتسابها من أي طريق ولو كان غير مباح فإن الإرادة القوية الحازمة تسيطر على هذه الأهواء وتكبح جماحها.

وإذا نظرنا إلى علاقة الصيام وغيره من العبادات التي شرعت في رمضان بالإرادة لوجدنا أن هذا الشهر العظيم فرصة لا تعوض ليتربى المسلم على قوة العزيمة والإرادة.

فالمسلم في رمضان يخالف عاداته ويتحرر من أسرها، ويترك مألوفاته التي هي مما أحل الله لعباده، فتراه ممتنعا عن الطعام والشراب والشهوة في نهار رمضان امتثالا لأوامر الله عز وجل، وهكذا يصبح الصوم عند المسلم مجالا رحبا لتقوية الإرادة الجازمة ؛ فيستعلي على ضرورات الجسد، ويتحمل ضغطها وثقلها إيثارا لما عند الله تعالى من الأجر والثواب.

فإذا استفاد المسلم من هذا الشهر المبارك فقويت عزيمته وإرادته، وطالت مدة التغيير فاستوعبت الشهر كله، ووجد من مجتمعه في هذا الشهر المبارك عونا وسندا حيث يكون المجتمع المحيط به مشاركا له في هذه العبادات والطاعات فيكون المجتمع كله مشاركا له في عملية التغيير مما يرجى معه أن يمتد الأثر ليشمل حياة المسلم كلها.

إن الله الرؤوف الرحيم لم يكلفننا الصيام والامتناع عن هذه المباحات خلال أيام رمضان ليعذبنا أو يشق علينا، إنما لنحقق التقوى من خلال حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة:183).

إن الإنسان تدفعه إلى المعالي قوتان:
قوة علمية، وقوة عملية.. وأساسهما هو قوة العزيمة والإرادة التي يحتاجها في طريق طلب العلم، ويحتاجها في سلوك سبيل الاستقامة، و يحتاجها في مواجهة الأهواء والشهوات والفتن، و يحتاجها لمدافعة ميل النفس إلى الدعة والراحة، ويحتاجها لمواجهة الحوادث والمصائب، وفي رمضان يتدرب المسلم على قوة الإرادة والعزيمة فيحدث التغيير الكبير في حياته ليتأهل للرقي في مراتب الكمال.

ولو نظرت بتدبر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم)، لوجدته يربي في المسلم قوة الإرادة ويجعل من الصوم وسيلة لتحسن الأخلاق وكظم الغيظ ومواجهة الأذى والجهل بالعفو والصفح فأي تربية هذه التي يربي الشرع عليها أبناءه من خلال العبادات العظيمة التي شرعها لهم ربهم وخاصة عبادة الصيام!.
وإذا اتضح لنا هذا المعنى الجليل فلنجعل من رمضان فرصة لتقوية الإرادة والاستعلاء على الشهوات والمألوفات، والتحرر من أسر العادات حتى نكون ممن أدركهم الله برحمته فوفقوا لصيام رمضان وقيامه إيمانا واحتسابا فغفر لهم..

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة