الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

{سبع سنابل} و{سبع سنبلات}

{سبع سنابل} و{سبع سنبلات}

{سبع سنابل} و{سبع سنبلات}

في العربية جمع الأسماء يكون على قسمين: أحدهما: جمع تصحيح، وهو ما جُمع بواو ونون، نحو (مسلمون)، أو ألف وتاء، نحو (مسلمات). ثانيهما: جمع تكسير، وهو كل جمع تغيرت فيه صورة مفرده، نحو (جبل) يُجمع على (جبال)، و(رجل) يجمع على (رجال) ونحو ذلك. وجمع التكسير يكون جمع قلة لما دل على دون العشرة من العدد. ويكون جمع كثرة، لما دل على فوق العشرة من ذلك. ويلحق بجمع التكسير للكثرة جمع الجمع (منتهى الجموع)، وهو كل جمع بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن، كمدارس، ومفاتيح.

وفي القرآن الكريم جاء لفظ {سنابل}، في موضعين على غير ما تقتضيه قواعد العربية:

أحدهما: قوله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء} (البقرة:261)، فلفظ {سنابل}، جُمع جَمْع منتهى الجموع، الذي يفيد الكثرة، وحقه أن يجمع جمع قلة؛ لأن ما دون العشرة يجمع جمع قلة، لا جمع كثرة.

ثانيهما: قوله تعالى: {وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر} (يوسف:43)، فلفظ {سنبلات} جُمع جمع المؤنث السالم بالألف والتاء، وحقه أيضاً أن يُجمع جمع قلة، لا جمع تصحيح.

وقد قيل في سر مجيئه في سورة البقرة {سبع سنابل} على هذا النحو: إن ما جاء في آية البقرة مبني على ما أعد الله للمنفق في سبيله، وما يُضاعَف له من الأجر، جراء إنفاقه، وأن ذلك ينتهي إلى سبعمائة ضعف، وقوله تعالى في الآية نفسها: {والله يضاعف لمن يشاء}، قد يُفهم الزيادة على ما نُصَّ عليه من العدد، فبناء هذه الآية على التكثير، فناسب ذلك ورود لفظ (السنابل) على ما هو من أبنية صيغ منتهى الجموع؛ لَحْظاً للغاية المقصودة، ولو وُضِع صيغة جموع القلة، لم تُلْحظ فيه الغاية من التكثير.

وقيل أيضاً: إن {سنبلة} فيها مئة حبة، مع ستٍّ مثيلات لها، لتبدو للناظر كثيرة، فناسب معه التعبير عنها بجمع الكثرة، وهو {سنابل}.

أما ما جاء في سورة يوسف، فقد قيل في توجيهه: إن قوله سبحانه: {سبع سنبلات}، لمَّا سُبق بجمع صحيح، وهو قوله تعالى: {سبع بقرات}، جاز جمعه جمعاً صحيحاً؛ لأجل المجاورة والمشاكلة، وهو مسلك متجه في كلام العرب.

وقد وجَّه الزمخشري الآية في سورة يوسف توجيهاً آخر، فقال: إن الجموع يقوم بعضها مقام بعض، كما يقوم حروف الجر بعضها مقام بعض. ولم يوافق أبو حيان الزمخشري في توجهيه هذا، ورد عليه بتفصيل في تفسيره "البحر المحيط"، عند تفسيره لقوله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء}، فلينظره طالبه هناك.

وما يليق الإشارة إليه هنا، أن ما جاء في القرآن هو الأصل الذي ينبغي أن تقاس عليه قواعد اللغة، وليس العكس، لكن في المحصلة إن قواعد اللغة موضوعة على ضوء الأسلوب القرآني. ونحن جرينا في حديثنا في هذا المقال تبعاً لبعض المفسرين في التنبيه على هذين المَلْحَظين في الآيتين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة