الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (الرحمة) في القرآن

لفظ (الرحمة) في القرآن

لفظ (الرحمة) في القرآن

لفظ (الرحمة) مفهوم إسلامي أصيل، ورد ذكره في القرآن الكريم في نحو ثمانية وستين ومائتي (268) موضع، وقد ورد في أكثر مواضعه بصيغة الاسم، نحو قوله سبحانه: {إنه هو التواب الرحيم} (البقرة:37)، وورد في أربعة عشر موضعاً بصيغة الفعل، نحو قوله سبحانه {قالوا لئن لم يرحمنا ربنا} (الأعراف:149).

ولفظ (رحم) يدل على الرقة والعطف والرأفة. يقال: رحمه يرحمه، إذا رقَّ له، وتعطف عليه. والرُّحم والمرحمة والرحمة بمعنى واحد. والرَّحِم: علاقة القرابة. وسميت رحم الأنثى رحماً من هذا؛ لأن منها ما يكون ما يرحم ويرق له من ولد.

ولفظ (الرحمة) في القرآن ورد على عدة معان، نستعرضها تالياً:

- الرحمة التي هي (صفة) الله جلا وعلا، تثبت له على ما يليق بجلاله وعظمته، من ذلك قوله عز وجل: { ورحمتي وسعت كل شيء } (الأعراف:156)، وقوله سبحانه: {وربك الغني ذو الرحمة} (الأنعام:133). و(الرحمة) كـ (صفة) لله سبحانه هي الأكثر وروداً في القرآن الكريم.

- الرحمة بمعنى (الجنة)، من ذلك قوله تعالى: {أولئك يرجون رحمة الله} (البقرة:218)، أي: يطمعون أن يرحمهم الله، فيدخلهم جنته بفضل رحمته إياهم.

- الرحمة بمعنى (النبوة)، من ذلك قوله سبحانه: {والله يختص برحمته من يشاء} (البقرة:105)، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يختص برحمته: أي: بنبوته، خصَّ بها محمداً صلى الله عليه وسلم. وهذا على المشهور في تفسير (الرحمة) في هذه الآية. ومن هذا القبيل قوله تعالى: {وآتاني رحمة من عنده} (هود:28)، أي: نبوة ورسالة.

- الرحمة بمعنى (القرآن)، من ذلك قوله تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} (يونس:58). فـ (الرحمة) في هذه الآية القرآن. وهذا مروي عن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة.

- الرحمة بمعنى (المطر)، من ذلك قوله تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} (الأعراف:57)، قال الطبري: و(الرحمة) التي ذكرها جل ثناؤها في هذا الموضع: المطر. ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {فانظر إلى آثار رحمة الله} (الروم:50).

- الرحمة بمعنى (النعمة والرزق)، من ذلك قوله سبحانه: {أو أرادني برحمة} (الزمر:38)، قال الشوكاني: الرحمة: النعمة والرزق. ومن هذا القبيل قوله عز من قائل: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي} (الإسراء:100)، قال البيضاوي: أي: خزائن رزقه، وسائر نعمه. ومنه قوله عز وجل: {ما يفتح الله للناس من رحمة} (فاطر:2).

- الرحمة بمعنى (النصر)، من ذلك قوله تعالى: {قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة} (الأحزاب:)، قال القرطبي: أي: خيراً ونصراً وعافية.

- الرحمة بمعنى (المغفرة والعفو)، من ذلك قوله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} (الأنعام:54)، أي: أنه سبحانه يقبل من عباده الإنابة والتوبة. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} (الزمر:53)، أي: لا تيأسوا من مغفرته وعفوه.

- الرحمة بمعنى (العطف والمودة)، من ذلك قوله سبحانه: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} (الفتح:29)، قال البغوي: متعاطفون متوادون بعضهم لبعض، كالولد مع الوالد. ونحو هذا قوله عز وجل: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة} (الحديد:27)، أي: مودة فكان يواد بعضهم بعضاً.

- الرحمة بمعنى (العصمة)، من ذلك قوله تعالى: {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} (يوسف:53)، قال ابن كثير: أي: إلا من عصمه الله تعالى.

- الرحمة بمعنى (الثواب)، من ذلك قوله سبحانه: {إن رحمت الله قريب من المحسنين} (الأعراف:56)، قال سعيد بن جبير: الرحمة ها هنا الثواب.

- الرحمة بمعنى (إجابة الدعاء)، من ذلك قوله سبحانه: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} (مريم:2)، قال الشوكاني: يعني إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد.

وعلى الجملة، فإن لفظ (الرحمة) من الألفاظ العامة والشاملة، التي يدخل في معناها كل خير ونفع يعود إلى الإنسان في دنياه وآخرته؛ ومن هنا فلا غرابة أن نجد في كتب التفسير من يفسر لفظ (الرحمة) في موضع بمعنى من معانيه، ويفسره آخر بمعنى آخر، ويحكم ذلك كله في النهاية سياق الكلام وعِلْم المفسِّر.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة