الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زيارة البابا والحق الفلسطيني

زيارة البابا والحق الفلسطيني

زيارة البابا والحق الفلسطيني

الموقف الأكثر "تقدماً" الذي صدر عن الإدارة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية حول الأعمال الإسرائيلية التوسعية الاستيطانية في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية، اكتفى بدعوة "إسرائيل" إلى تجميد أعمال البناء في المستوطنات. نعم، إنها دعوة إلى التجميد وليس إلى الإلغاء. وكأن ثمة من يقول ل"إسرائيل":لا مشكلة من حيث المبدأ، ولكن جمّدوا العمل الآن في انتظار المفاوضات. والمفاوضات طبعاً متوقفة. ومصير الفلسطينيين يبقى تحت رحمة القرارات الإسرائيلية التي رفضت الدعوات إلى التجميد أو الإلغاء للأعمال الاستيطانية. والتوجهات الأميركية تقوم في الأساس على قاعدة تبادل الأراضي. ولذلك فإن تجميد التوسع في المستوطنات وبناء المزيد منها لا يلغي مبدأ الاستيطان والاحتلال، إنما يترك الأمر لاختيار المناطق التي يمكن إخضاعها للضم والبناء عليها. وهكذا فإن "إسرائيل" تبقى مستقوية بهذا الموقف الأميركي الدولي ومستمرة في مشاريعها التوسعية التي باتت تهدد القدس والضفة وأماكن كثيرة في فلسطين.

أكرر تناول هذا الموضوع اليوم بعد حدثين حصلا خلال هذا الأسبوع. الأول زيارة البابا بنديكت السادس عشر إلى الأراضي المحتلة، ودخوله إلى المسجد الأقصى وكنيسة المهد، ووقوفه أمام حائط البراق. والثاني زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو إلى شرم الشيخ ولقاؤه بالرئيس المصري حسني مبارك.

زار البابا بيت لحم، وصدر قبل زيارته بيومين تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة "أوتشا"، جاء فيه: إنه بعد أربعة عقود على الاحتلال الإسرائيلي لمحافظة بيت لحم التي تبلغ مساحتها ما يقارب 660 كلم2 فإن 13 في المئة منها فقط هو حالياً في حوزة الفلسطينيين، موضحاً أن جزءاً كبيراً من هذه المحافظة بات مقطّع الأوصال!

لقد حرص البابا على المصالحة مع اليهود، وهذا موقف نبيل. واليهود تعرضوا لمحرقة، وهذا أمر مستنكر وخطير وعمل إرهابي. ولكن ماذا عن الفلسطينيين؟ ما ذنبهم؟ ما علاقتهم بالمحرقة ليدفعوا ثمنها على أيدي المتاجرين بها، فيتعرضون بدورهم لمحرقة مستمرة منذ العام 1948؟ ومن يدافع عن حقوق الفلسطينيين؟ من يدافع عن المسيح وكنيسته ورعيته وموقع ولادته؟ وبمنطق المصالحة أيضاً الذي يجب أن يكون عاماً وشاملاً فلا بدّ من مصالحات إسلامية - مسيحية - يهودية، وبالتالي: ماذا عن المسلمين؟ ماذا عن حقوقهم؟ ماذا عن مقدساتهم؟ ماذا عن أرضهم؟ ماذا عن المسجد الأقصى؟

أطرح هذه الأسئلة لأن البابا أبدى انزعاجاً من قاضي قضاة فلسطين الشيخ التميمي، لأنه طالبه بإدانة المجازر الإسرائيلية بحق أبناء شعبه، وهذا مطلب مشروع، فكما تدان المحرقة ضد اليهود، يجب أن تدان المحارق ضد الفلسطينيين فكيف عندما يرى الزائر بعينه المعاناة على مستوى الحياة عموماً وعلى مستوى الحرمان والظلم والقهر ومصادرة الأراضي ومنع الناس من ممارسة شعائرهم الدينية؟

تطرح هذه الأسئلة وكل الضغوطات الدولية قائمة عن "إسرائيل" للقبول بـ"حل الدولتين"، ومع ذلك يأتي نتانياهو إلى شرم الشيخ، ولا يقول كلمة عن دولة للفلسطينيين! فيتجاوز حقهم الأساسي في إقامة دولتهم على أرضهم، ولا يتجاوز فقط الإشارة إلى الدولتين، كأنهم غير موجودين، غير معنيين، ويفعل ذلك في أول إطلالة له على الخارج. فكيف يمكن إعطاء أمل للفلسطينيين في مثل هذه الحالة؟ ولإتمام عملية الخبث بالكامل، يؤكد مجدداً أن الصراع في المنطقة هو بين الاعتدال والتطرف. فأين هو الاعتدال؟ من هو المعتدل؟ ومن هو المتطرف؟.

إذا كان ثمة تطرف وعنصرية وإرهاب وإجرام وخطر، فإنه في الكيان الإسرائيلي وفي قناعات وممارسات القادة الإسرائيليين الذين يزايدون على بعضهم بالتطرف والإرهاب. وليس ثمة اعتدال في المقابل بمعنى أن ثمة هناك من يقبل هذا السلوك وهذه السياسة. الجميع ضد "إسرائيل" وإرهابها، وقد نالهم من هذا الإرهاب الكثير. قد تختلف المقاربات والوسائل والأساليب بين طرف وآخر، ولكن في الجوهر الإرهاب هو الإرهاب، ومصنعه الأساس "إسرائيل"، ومسببّه في أمكنة أخرى "إسرائيل" لأن سياسة الإرهاب لا يمكن أن تولّد إلا العنف والتطرف، فكيف إذا كان هذا الإرهاب مستمراً منذ ستين عاماً ونيف ضد الفلسطينيين؟

وماذا تتوقع من الشعب الفلسطيني بعد كل هذه الممارسات والمواقف وبعد هذا التجاوز والتجاهل لحقوقه؟ وهل يطمئن إلى مصيره عندما يسمع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز يعلن رفضه نتائج التحقيق الذي أجراه فريق من الأمم المتحدة وتوصل إلى أن الجيش الإسرائيلي مسؤول عن عمليات قتل وتدمير في مؤسسات تابعة للمنظمة الدولية - الأمم المتحدة -في قطاع غزة، وقد وصفه بيريز بأنه تقرير مثير للغضب.

قتل الفلسطينيين أمر حلال ومشروع في نظره فلا يتوقف عنده.

أما الإشارة إلى استهداف مواقع ومؤسسات الأمم المتحدة، فهو أمر يثير غضبه أيضاً. فماذا عن غضب الفلسطينيين؟ بل أليس من حق الفلسطيني أن يغضب ويثور ويلجأ إلى استخدام كل الأساليب لاستعادة حقه والدفاع عن وجوده وكرامته؟

إنه صراع مفتوح لن يتوقف، وسوف يتعرض الأمن والاستقرار في أكثر من منطقة للاهتزاز إذا لم يتوقف هذا الصراع على أساس إقرار حق الشعب الفلسطيني في أرضه وإقامة دولته المستقلة عليها. إنها حتمية التاريخ والحقيقة التي لا يمكن تجاوزها.

ــــــــــــــــــــــــــ

صحيفة الاتحاد الإماراتية (بتصرف يسير)

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة