الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاة وسد حاجات الفقراء والمساكين

الدعاة وسد حاجات الفقراء والمساكين

الدعاة وسد حاجات الفقراء والمساكين

تثبت الإحصائيات أن نسبة الفقراء في العالم الإسلامي تزيد عن النصف من تعداد السكان، مما ينبئ بالخلل العظيم في تبادل الحقوق والواجبات. ومن المعلوم أن ثروات العالم الإسلامي تكفي لإطعام العالم كله، كيف لا، وقد كانت مصر وحدها تطعم إمبراطورية روما من محصول قمحها. فوجب التضافر حينئذ لتدارك هذا الخلل بين الأغنياء والفقراء.

والدعوة الإسلامية بدعاتها ورجالها مأمورون أن يكون لهم قصب السبق في تحمل مسئولية الفقراء والمساكين في كل مجتمع، من باب الديانة والتقرب إلى الله أولا، ثم من باب الدعوة إلى الدين ونشر الحق بين كل شرائح المجتمع. وما من شك أن الدور الذي يضطلع به الدعاة الآن في توزيع الصدقات وأعمال البر يحتاج إلى الترشيد والتدريب لتحقيق أعلى قدر من الاستفادة. فإذا تحملنا إطعام الفقراء لسد خلتهم وإشباع جوعتهم فأولى بنا أن نرتفق لأرواحهم من زاد الإيمان ما ينجون به يوم القيامة، وهذا لعمر الله أولى بالاهتمام.

وطريق الدعاة إلى قلوب الناس مع الإحسان أيسر وأمضى، فالقلوب جبلت على حب من أحسن إليها، فلزم أن نعرف كيف يمكن أن نجعل المساعدات التي تقدم للفقراء والمساكين وسيلة لجذب قلوبهم لدين الله تبارك وتعالى.

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم العطاء والصدقات سبيلا لتأليف القلوب، فألف قلوب الكثير من مشركي العرب بما كان يعطيهم من الأنعام والهدايا، وكان وجهه صلى الله عليه وسلم يتمعر إذا رأى من المسلمين من ظهرت عليه بوادر الجوع والمخمصة.

ونصوص الشرع المطهر تجعل الإطعام والدعوة إليه من آكد الواجبات الاجتماعية المحققة لمقصود الإيمان، والمستجلبة لمرضاة الله، والمؤدية للنجاة يوم القيامة. يقول الله تبارك وتعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين. في جنات يتساءلون. عن المجرمين. ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعـم المسـكين..}، وقال عز وجل: {فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة. فك رقبة. أو إطعام في يوم ذي مسغبة}، ومدح المؤمنين المخلصين فقال: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا }، وذم من خصال المشركين بخلهم فقال: {أرأيت الذي يكذب بالدين. فذلك الذي يدع اليتيم. ولا يحض على طعام المسكين}، وذم المتعلقين بالدنيا فقال: {كلا بل لا تكرمون اليتيم. ولا تحاضون على طعام المسكين. وتأكلون التراث أكلا لما. وتحبون المال حبا جما}.

وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين.

فإطعام الطعام من شعائر الدين التي يجب أن يحييها الدعاة، ويعملوا على حض الناس عليها، ويتعاونوا فيما بينهم على القيام بها كفرض كفائي لرفع المأثم عن الأمة.

ومن أول ما يجب أن يعتني به الدعاة للاستفادة من مساعدات الفقراء والمساكين في الدعوة إلى الله أن يكون القائمين على البحث الاجتماعي وتوزيع النفقات والمساعدات والصدقات مدربون على المعاملة الحسنة والصبر على إلحاح بعض الفقراء، وعلى امتثال آداب الصدقة من السماحة والتبسم في الوجه وعدم نهر السائل واستعمال طيب الكلام عند انعدام النفقة.

ومن شأن تصرفات بعض القائمين على الصدقات أن يصد الناس عن دين الله تبارك وتعالى، كأن يتعامل مع الفقراء من منطلق أنهم لصوص أو مستغلون، وإغلاظ الكلام لهم ونهرهم، والتطاول عليهم بالسباب، والتكبر والتعالي عليهم، وإتباع الصدقات بالمن والأذى، وكل ذلك من شأنه أن يشوه صورة الدعاة عند الناس، وخاصة لو كانت الصدقات توزع عبر المساجد وعن طريق الدعاة.

وقد ضرب لنا السلف أروع الأمثلة في آداب التصدق، وقد يطول المقام بذكر تلك الأمثلة، ولكننا نشير إلى أن المنصرين استخدموا الآداب الإسلامية في الإحسان إلى الناس، وجعلوا الإحسان وسيلة لتنصير الفقراء والسذج من الخلق، وهاهي ذي أصقاع العالم تشهد مستشفيات ومراكز رعاية الفقراء واليتامى والمرضى والعجزة والمشردين، ورأينا كيف هرعت منظمات التنصير إلى الصومال وإلى البوسنة لرفع المعاناة والآلام عن المسلمين بزعم أن يسوع المسيح جاء لينقذهم.

ثم إن الأصل في الدعاة أن ينفقوا بسخاء مما في أيديهم، وألا يخشوا الفقر والإملاق، ولا يليق أن تدخر أموال الزكاة والصدقة بزعم الإنفاق منها عند قلة المتصدقين والممولين لمشروعات الإحسان والبر. وإقتار بعض الدعاة في الإحسان إلى الفقراء من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة عكسية.

ولا نريد أن يأتي اليوم الذي يستقر في قلوب الناس أن الدعاة إلى الله من أبخل الناس، فليس على الإنسان من بأس أن يعطي بسخاء مما في يده، فإذا انعدمت النفقة اعتذر للناس، وهذا أرجى مما لو رأى الناس ما في يديه ثم لاحظوا بخله وإقتاره. وقد رجع أعرابي إلى باديته بعد أن أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين فقال لقومه: يا قوم أسلموا! فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: (أنفق بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالا ) رواه البزار والطبراني في الكبير وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد. رواه ابن حبان وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

كما يجب على القائمين على الصدقات أن يبحثوا عما يسد خلة الفقير ويعملوا على تحصيلها عبر المتصدقين، وليس بالضرورة أن يكون طعاما، فقد يحتاج الفقير إلى الملبس، وقد يحتاج إلى مصروفات تعليم أبنائه في المدارس وتجهيز ما يحتاجون إليه، وقد يحتاج مصروفات علاج باهظة.

وهناك الكثير من الأساليب والطرق في رعاية الفقراء واليتامى والمساكين، ولكن المقصود هنا أن نوفر لهم فرصة لتعلم أحكام الدين، وأن نأمرهم بالمعروف ونعينهم على أدائه، وننهاهم عن المنكر ونعينهم على تركه، بل إن الدعاة يستطيعون أن يقوموا بدور في دعوة الطلبة الفقراء عن طريق تنظيم مجموعات تقوية، ودروس دينية خاصة، مع الاهتمام بالأطفال، وتنشئتهم نشأة إسلامية صحيحة.

ولن يغيب عنا أن ننبه أن كل ما يقوم به الدعاة في سبيل هؤلاء الفقراء إن هو إلا حق مكتسب، وواجب يجب ألا يشعروا فيه بمنة على أحد لئلا تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون. وقد قال الله تعالى: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل}، وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ بن جبل لما أوفده إلى اليمن: (ثم أعلمهم أن الله قد أفترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم)، وكأن الصدقة سترد إلى أصحابها الحقيقين بها والجديرين بنوالها.

وعلى الصعيد الفردي، فكل متصدق يستطيع أن يبذل مع الصدقة نصيحة، فيأمر الفقير بتقوى الله والمحافظة على الصلاة، ويحذره من أن يستخدم المال فيما يغضب الله كشرب الدخان ونحو ذلك، وليس علينا أن قبل منا الناس أو أبوا، ولكن المقصود أن تتكامل أعمالنا الدعوية، فلا ندع بابا إلا ولجناه، ولا جادة إلا سلكناها، وتلكم هي الدعوة الصادقة التي تجعل حياة الداعية كلها دعوة إلى الله تبارك وتعالى.

وقد يعجز بعض الفقراء عن تحصيل العلم الشرعي، وسماع الموعظة، فمن حقه على الدعاة أن يوفروا له الكتب ومصروفات المواصلات وأشرطة الدروس والمواعظ، ولربما كان النفع والرجاء فيه أعظم من غيره، وقد قال تبارك وتعالى: {أما من استغنى فأنت له تصدى. وما عليك ألا يزكى. وأما من جاءك يسعى. وهو يخشى. فأنت عنه تلهى. كلا، إنها تذكره}.

وليعلم الدعاة والناس أجمعون أن السعي على الفقراء والمساكين من أرجى القربات عند الله تعالى، فقد جعله الرسول صلى الله عليه وسلم عِدْل قيام الليل وصيام النهار، ثم إن لهم يوم القيامة دولة ووجاهة عند الله، ويسبقون الخلائق إلى الجنة بخمسمائة عام.

فأجدر به من سبيل خير، وأخلق بالدعاة أن يكونوا أول السالكين فيه، وليكن شعارهـم: {إنما نطعمكم لوجه الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا}.

ــــــــــــــــــــــــ
الشيخ: رضا صمدي

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة