الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اسمه المسيح عيسى ابن مريم

اسمه المسيح عيسى ابن مريم

اسمه المسيح عيسى ابن مريم

جاء حديث القرآن عن عيسى عليه السلام في مواضع شتى، وحول موضوعات متنوعة؛ من جهة خلقه من غير أب، ومن جهة كونه مصدقاً لرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن جهة الآيات التي آتاه الله إياها، تصديقاً لرسالته، وتأييداً لنبوته.

ومن الآيات الواردة في شأن عيسى عليه السلام، قوله عز من قائل: {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين} (آل عمران:45). ولنا مع هذه الآية بضع وقفات، نستبين من خلالها بعض لطائفها:

الوقفة الأولى: تتعلق بقوله سبحانه: {اسمه}، الضمير هنا راجع إلى (الكلمة) {بكلمة}، ولم يبين سبحانه هذه (الكلمة) التي أطلقت على عيسى؛ لأنها هي السبب في وجوده، وهذا من باب إطلاق السبب وإرادة مسببه، ولكنه سبحانه بين في موضع آخر أنها لفظة {كن} وذلك في قوله: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} (آل عمران:59).

الوقفة الثانية: أن (الكلمة) لفظ مؤنث، فكيف عاد الضمير إليها مذكراً؟

أجيب عن هذا: أن الضمير جاء مذكراً رعاية للمعنى، لا للفظ؛ لأن المراد بـ (الكلمة) هنا قوله تعالى: {كن} وهو عبارة عن لفظ مذكر.

ووجَّه بعض أهل العلم الضمير هنا على نحو آخر، فقال: أعاد الضمير على المؤنث مذكراً؛ نظراً إلى المراد منه، والعرب في كلامها تُغلب المذكر على المؤنث. والذي جعل ذلك الصنيع حسناً أن قوله سبحانه: {اسمه} مبتدأ، وخبره قوله: {المسيح}، وهو مذكر، فَذَكَّرَ الضمير في المبتدأ ليناسب الخبر. ولذلك تقول: أهديتك هدية، هي قلم، لكن أحسن منه قولك: أهديتك هدية، هو قلم.

الوقفة الثالثة: {المسيح} لقب لعيسى عليه السلام، وعيسى اسم، والأصل أن تقدم الأسماء على الألقاب، فأنت تقول: محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح أن تقول: الهاشمي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فلِمَ قدم هنا اللقب على الاسم؟

أجيب عن هذا: أن المسيح كاللقب الذي يفيد كونه شريفاً رفيع الدرجة، مثل الصدِّيق والفاروق، فذَكَرَه الله تعالى أولاً بلقبه؛ ليفيد علو درجته، ثم ذكره باسمه الخاص.

ويرى بعض أهل العلم أن {المسيح} ليس لقباً لعيسى عليه السلام، وإنما هو اسم له. ويقوي هذا الرأي أنه سبحانه ذكر في كتابه أن {المسيح} اسم لعيسى عليه السلام، وذلك في قوله سبحانه: {اسمه المسيح}. ومن قال بهذا رجح أن لعيسى عليه السلام أكثر من اسم، كما كان لرسولنا صلى الله عليه وسلم أكثر من اسم، حيث كان يسمى محمداً، وأحمد، وطه، وغيرها.

وقال ابن عاشور في توجيه ذلك: عبر عن العَلَم واللقَب والوصفِ بالاسم؛ لأن لثلاثتها أثراً في تمييز المسمى؛ فأما اللقب والعَلَم فظاهر، وأما الوصف المفيد للنسب فلأن السامعين تعارفوا ذكر اسم الأب في ذكر الأعلام للتمييز وهو المتعارف، وتذكر الأم في النسب إما للجهل بالأب، كقول بعضهم: زياد بن سُمية، قبل أن يُلْحق بأبي سفيان في زمنِ معاوية، وإما لأن لأمه مفخراً عظيماً، كقولهم: عمرو ابن هند، وهو عمرو بن المنذر ملكُ العرب.

الوقفة الرابعة: في قوله سبحانه: {عيسى ابن مريم} فائدة لطيفة، فمع أن مريم -والخطاب في الآية معها- لا تحتاج إلى أن تُْخَبرَ أنه ابنٌ لها؛ لعدم الشك في بنوته، لكنه مع ذلك نصَّ عليها، وفائدة هذا النص أن العرف جرى على أن ينسب الولد إلى أبيه لا إلى أمه، فنسبته إلى أمه إعلام لها بأنه يولد من غير أب، وهذه خصيصة يخص الله تعالى بها مريم، بتطهيرها واصطفائها بهذه المكرمة العظيم، كما قال تعالى: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} (آل عمران:42).

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة