الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مثل من يرد الله أن يهديه

مثل من يرد الله أن يهديه

مثل من يرد الله أن يهديه

تضمن القرآن الكريم العديد من الأمثال، وكانت قضية الإيمان والكفر هي القضية المحورية التي أولاها القرآن الكريم عناية واهتماماً، وما ذلك إلا لأن هذا القرآن جاء ليخرج الناس من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان والإسلام.

ومن الأمثال القرآنية التي تناولت قضية الإيمان والكفر، ما جاء في قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} (الأنعام:125)، فهذه الآية الكريمة تقرر حقيقة لا شك فيها، وهي أن من وفقه الله لهدايته، يشرح صدره لهذا الدين، فيعيش هذا الدين سلوكاً وعقيدة، لا يحيد عنه، ولا يرضى سواه دينا؛ لأن الإسلام هو دين الفطرة ومهذبها، فإذا هُدي العبد لهذا الدين، وجد له في صدره انشراحاً واتساعاً بما يشعر به قلبه من السرور والقبول، وهذا هو النور الذي يفيض عليه من القرآن، أو الذي يسير فيه باتباعه له.

أما من لم يُوفق لهدي الإسلام، فإن صدره يكون ضيقاً عن استيعاب الإسلام، فلا يتقبل هداه، بل وتغلب عليه وساوس الشيطان، التي تضغط على قلبه حتى يشعر حقيقة وفعلاً بأن صدره قد ضاق من شدة هذا الضغط، كأنما يصعد إلى السماء، فكلما ازداد في هذا الصعود ارتفاعاً، اشتد الضيق والحرج على صدره حتى يكون عليه أعسر من ساعة الموت عند قبض روحه.

فالذي يُعرض عن هدي الإسلام، يجد صدره شديد الضيق لا يتسع لقبول شيء جديد مناف لما استحوذ على قلبه وفكره من التقاليد والضلال، فيكون استثقاله لإجابة الدعوة وشعوره بالعجز عنها كشعوره بالعجز عن الصعود بجسمه في جو السماء لأجل الوصول إليها أو التصاعد فيها بالتدريج. وصعود السماء يضرب به المثل فيما لا يستطاع، أو ما يشق على النفس حتى كأنه غير مستطاع.

وقد دلت الاكتشافات العلمية على أن الإنسان عندما يصعد في الفضاء، ويخرج من جاذبية الأرض، فإنه أشد ما يكون حاجة إلى الأوكسجين الذي ينعدم وجوده خارج فضاء هذه الأرض. وبما أنه لا حياة للإنسان بلا أوكسجين، فإن فقدانه يؤدي إلى موته اختناقاً، مع ما يصاحب هذا الاختناق من الشعور بضيق الصدر، وبالآلام المبرحة الناتجة عنه. ولعل من تصيبه أزمة قلبية أدرى بهذه الآلام من غيره. وهكذا هي حال من يأبى نور الإسلام، إذ تنتابه الوساوس، والهموم، والقلق والاضطراب، فتتأزم نفسه، كأنما يرتفع إلى الجو بلا أوكسجين يمده بالحياة.

وقد وضح من خلال هذا المثل، أن الإسلام سبب الحياة، وهو سبب هنائها وراحتها، وأنه من غير الإسلام فإنه لا مجال إلا لضيق الصدور، وقلق القلوب، وملازمة الشقاء، ومعاناة البؤس، وهذا ما هو حاصل فعلاً لكثير ممن لم يقبلوا هدي الإسلام، ورفضوا الانضواء تحت لواء نور القرآن.

كما أن هذا المثل يدل على أن القرآن الكريم لم ينزل إلى جيل، أو إلى أمة، أو إلى مجتمع بعينه، بل أنزل للناس جميعاً، وللعصور كافة، ولذلك كان الإسلام نور هداية ورشاد، ومصدر علم ومعرفة لكل من أراد أن يستقي من معين الله.

وكما تحل الآلام والعذاب بالإنسان في هذه الدنيا من شدة الضلال، حتى تجعل صدره ضيقاً عن استيعابها، وغير قادر على احتمالها، كذلك سيكون عذاب الآخرة أشد إيلاماً على من لا يؤمنون بالإسلام ديناً؛ لأنه وحده الدين القادر على إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهو وحده الدين المؤهل لتحقيق السعادة للناس في الدنيا والآخرة في آنٍ معاً، أما في الدنيا فراحة واطمئنان للنفس، وأما في الآخرة فرضوان من الله أكبر وذلك هو الفوز العظيم.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة