الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

احذروا هذا البديل الإسرائيلي لحل الدولتين

احذروا هذا البديل الإسرائيلي لحل الدولتين

احذروا هذا البديل الإسرائيلي لحل الدولتين

بدأت تخرج من "إسرائيل" تباعاً، خطوط مسرحية جديدة، قد يبدأ طرحها علناً في إطار مشروع التسوية العربية - الإسرائيلية. وتحاول الخطة جاهدة أن تنقل "إسرائيل" من إطار دولة معتدية ومحتلة، إلى إطار دولة شريكة مع الدول العربية، في إعادة تنظيم استراتيجية للمنطقة بأكملها، تشبه خطة سايكس - بيكو التي دمرت وحدة المنطقة العربية في مطلع القرن العشرين. تضع الخطة "إسرائيل" في قلب المنطقة العربية، بموافقة ومباركة ومشاركة من دول عربية، وبرعاية دولية أميركية وأوروبية وروسية.

بطل الخطة الإسرائيلية العلني هو اللواء احتياط غيورا آيلاند، الذي كان رئيساً لقسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي، كما كان رئيساً لمجلس الأمن القومي. وهو أيضاً الشخص البارز في مؤتمر هرتسليا السنوي الذي يناقش ويقترح خطط "إسرائيل" الاستراتيجية، وفي المقدمة منها خطط الترانسفير للفلسطينيين المقيمين في أرض وطنهم تحت حكم دولة "إسرائيل"، لتحقيق «يهودية» دولة "إسرائيل".

أما بطل الخطة السري، فهو العالم الجغرافي الإسرائيلي يوشع بن آرييه، الذي كان سابقاً رئيساً للجامعة العبرية. وقد صاغ هذا العالم ما يسميه «خريطة عامة لحل إقليمي للنزاع العربي - الإسرائيلي»، ثم جاء اللواء غيورا آيلاند، وبما له من نفوذ داخل الجيش الإسرائيلي، وداخل القطاع السياسي الإسرائيلي، فتبنى الخطة، وبدأ يروج لها.

الترويج للخطة قديم يعود للسنوات الأولى بعد عام 2000، الذي شهد فشل مفاوضات كامب ديفيد بين ياسر عرفات وإيهود باراك. ولكن بروزها من جديد يرتبط بالأزمة السياسية القائمة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فقبل أيام نشر غيورا آيلاند مقالاً في صحيفة «يديعوت أحرونوت» (31/3/2010)، أوضح فيه أن الولايات المتحدة الأميركية، وبخاصة التيار الديمقراطي فيها، تبنى منذ عام 2000 اقتراح إنشاء دولتين، دولة فلسطينية إلى جانب دولة "إسرائيل"، وذلك حسب خطة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، التي أعلنها قبل نهاية عهده بفترة وجيزة. هنا يقول آيلاند: «إن فكرة الدولتين، هي في نظر كل إدارة أميركية، وبالتأكيد ديمقراطية، اسم سري لخطة كلينتون جوهرها فكرة الدولتين.. وقبل نحو أسبوع قرر أوباما عدم الاكتفاء بالاسم السري، والتأكد من أن نتنياهو يفهم ويوافق على أن تأييد (الدولتين) معناه تأييد خطة كلينتون».

نتنياهو طبعاً يرفض خطة الدولتين، ويرفض خطة كلينتون، وهنا يتقدم غيورا آيلاند إلى واجهة المشهد ليعلن أنه هو أيضاً لا يرى فائدة من حل الدولتين، حيث سيستمر من خلالها الصراع بسبب تصادم شروط الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، ويتقدم باقتراح «استراتيجي» خاص به، جوهره تبادل الأراضي جغرافيا بين "إسرائيل" والضفة الغربية ومصر والأردن.

كانت هذه الخطة قد طرحت داخل "إسرائيل"، ونوقشت في الأوساط العسكرية والسياسية بدءاً من عام 2000، وبخاصة بدءاً من عام 2004، حين طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون فكرة الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، فتقدم آيلاند ليقول إنه موافق على الخطة، شريطة أن نقرر ماذا بعد ذلك، أي أن يكون الانسحاب من قطاع غزة جزءاً من خطة إسرائيلية أشمل، ويبلور حلاً إقليمياً مدعوماً عالمياً، وهو ما لم يحدث على أرض الواقع.

خلاصة الخطة كما يراها ويروج لها آيلاند هي كما يلي:

أولاً: أن تنقل مصر إلى قطاع غزة، مناطق من سيناء، مساحتها 720 كيلومتراً مربعاً، وهذه الأراضي عبارة عن مستطيل ضلعه الأول يمتد على طول 24 كيلومتراً على طول شاطئ البحر المتوسط من رفح غرباً حتى العريش، وبعرض 20 كلم داخل سيناء. إضافة إلى شريط يقع غرب «كرم سالم» جنوباً، ويمتد على طول الحدود بين "إسرائيل" ومصر. وتؤدي هذه الزيادة إلى مضاعفة حجم قطاع غزة البالغ حالياً 365 كيلومترا مربعاً إلى نحو ثلاث مرات.

ثانياً: توازي مساحة 720 كيلومتراً مربعاً نحو 12 في المائة من أراضي الضفة الغربية. ومقابل هذه الزيادة على أراضي غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12 في المائة من أراضي الضفة الغربية التي ستضمها "إسرائيل" إليها، شاملة الكتل الاستيطانية الكبرى، وغلاف مدينة القدس (وحالياً القدس نفسها حسب سياسة نتنياهو).

ثالثاً: مقابل الأراضي التي ستتنازل عنها مصر لتوسيع قطاع غزة، ستحصل من "إسرائيل" على منطقة جنوب غربي النقب، توازي «تقريباً» مساحة المنطقة التي ستتنازل عنها، وبعد ذلك تسمح "إسرائيل" لمصر بارتباط بري بينها وبين الأردن، من خلال حفر قناة بينهما، وستمر القناة التي يبلغ طولها نحو 10 كيلومترات من الشرق إلى الغرب، على بعد 5 كيلومترات من إيلات، وتكون خاضعة للسيادة المصرية.

وبعد إيراد هذه الأسس للخطة، يبدأ آيلاند في إيراد ما يسميه الفوائد الضخمة التي سيكسبها كل طرف من الأطراف، وستشمل هذه الفوائد، حسب عرضه، "إسرائيل" ودولة فلسطين ومصر والأردن.

وقد قام آيلاند في شهر فبراير (شباط) الماضي بعرض هذه الخطة مفصلة في دراسة (وثيقة) أعدها لصالح مركز بيغن - السادات للدراسات لاستراتيجية، الذي يعمل داخل جامعة بار إيلان التي تعتبر مركزا لإنتاج الفكر اليميني الإسرائيلي، وفي تصوره أن تقدم للرئيس أوباما، لتصبح مدار بحث جديد، بديلاً لفكرة الدولتين، وبديلاً لخطة بيل كلينتون.

وكان آيلاند قد طرح هذه الخطة على الإدارة الأميركية عام 2004 بعد أن سمح له شارون بذلك، فقام بزيارة إلى واشنطن، حيث طرح الخطة على نظيرته كونداليزا رايس حين كانت رئيسة لمجلس الأمن القومي الأميركي، فاستدعت مساعديها وجلسوا جميعاً للاستماع إلى محاضرة آيلاند التفصيلية. كما قام آيلاند بعرض الخطة على يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الأسبق، وعلى جهات أوروبية أخرى. وتقول صحيفة «معاريف» (7/5/2004) إن الخطة عرضت سراً على بعض الشخصيات العربية.

وآنذاك.. كانت الخطة، أن تبدأ "إسرائيل" بالانسحاب من قطاع غزة، وأن تخلي مستوطنات القطاع بالكامل، على أن يرتبط ذلك بتطبيق بنود الخطة الأخرى. ولكن شارون، وبمباركة أميركية، نفذ الخطوة الأولى، تاركاً بنود الخطة الأخرى للبحث والنقاش والتداول.

وآنذاك أيضاً.. كان آيلاند يتصور ويقترح، أن يبرز مشروع خطته هذا، كمشروع تقترحه أوروبا، ثم تأتي "إسرائيل" لتوافق عليه، ويأتي بعدها الشركاء الأساسيون: مصر والأردن والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويتم توقيع الاتفاق في مؤتمر سلام ينعقد في مصر ويشارك فيه رئيس الولايات المتحدة، وقادة الدول الأوروبية، وروسيا.

إن مشروع غيورا آيلاند هذا، وبتفاصيله التي تبدو جذابة ومشرقة، ينطوي على تصورات خطرة. فهو أولاً يريد أن يحدث تغييرات استراتيجية في المنطقة كلها، من أجل أن يضمن ل"إسرائيل" بقاء كل مستوطناتها الأساسية، وبخاصة المحيطة بالقدس والمحاصرة لها. وهو يريد بذلك أن يضمن لها مصالحها الاستراتيجية العسكرية من خلال توسيع الخصر الإسرائيلي الضيق، وذلك عبر منطقة القدس وصولاً إلى البحر الميت.

وهو ثانيا يريد أن ينقل "إسرائيل" من موقع الدولة المحتلة والمعتدية، وإلى حد ارتكاب الكثير من جرائم الحرب، إلى موقع الدولة الشريكة في رسم صورة استراتيجية جديدة للمنطقة كلها، تعطي فيها وتأخذ على قدم المساواة مع الأطراف الآخرين، بحيث تصبح الدول العربية كلها معترفة بهذا الدور الشريك ل"إسرائيل"، وهذا أمر يتجاوز مفهوم «التطبيع» بكثير.

وهو ثالثاً يريد أن يحل مشكلات الاحتلال (الذي يفرض القانون الدولي إنهاءه) على حساب الأراضي العربية، والأراضي المصرية بالذات، وفي منطقة النقب التي تم احتلالها عام 1948 بما يتجاوز قرار التقسيم الصادر عام 1947. وهو أخيراً حل يستند إلى رفض حق العودة للاجئين، ويتصور أن توسيع قطاع غزة سيتيح فرصة استيعاب جزء أساسي منهم، فيعودون إلى «إقليم غزة» لا إلى وطنهم الأصلي.

لقد هربت "إسرائيل" دائماً إلى الأمام رافضة أي نوع من التسويات السياسية، مصرة على إبقاء صورتها العدوانية التوسعية، وها هي تهرب إلى الأمام من جديد، وعبر هذا المشروع الغريب، أكثر من أي مرة سابقة.

وتقدم كل هذه الاعتبارات مبررات كبيرة وعميقة وكافية لرفض المشروع من حيث المبدأ. والأهم أن تدرك الدول العربية أن عدوانية دولة "إسرائيل" تعيش في وجدانها الاستراتيجي، وخطة غيورا آيلاند تعبير صارخ عن تلك العدوانية.

ـــــــــــــــــــــــــــ

الشرق الأوسط

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة