الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قوافل الحرية بين كسر الحصار وإنهاء الاحتلال

قوافل الحرية بين كسر الحصار وإنهاء الاحتلال

قوافل الحرية بين كسر الحصار وإنهاء الاحتلال

لا شك في أن كل محاولة لكسر الحصار الظالم على غزة هي إسهام مطلوب لكشف المأساة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في ظل هذا الحصار، ولتسليط الأضواء على بشاعة الاحتلال الإسرائيلي وما ارتكبه من جرائم، ولفضح الطبيعة العدوانية والعنصرية للعدو الصهيوني المستعد لقتل الأبرياء لمجرد أنهم فكروا في تقديم الطعام والدواء للمحاصرين.

كما حدث مع السفينة التركية «مرمرة» التي مازالت آثار الجريمة التي ارتكبت تجاهها والأرواح التي راحت ضحية فيها، تحاصر إسرائيل، وتنبه ضمير العالم إلى ممارساتها النازية في حق الفلسطينيين والعرب، بل في حق العالم كله.

كل محاولة لكسر الحصار تبقي القضية حية، وتعيد تسليط الأضواء على الجريمة الإسرائيلية، وتفتح باباً للأمل أمام المحاصرين، لكن الأمر يقتضي الحذر منا، حتى يظل الهدف واضحاً، وحتى لا يتحول الأمر إلى المظهرية، وحتى لا نترك الجانب الأساسي وهو أن تكون القوافل القادمة لكسر الحصار تعبيراً عن ضمير عالمي ينحاز للحق العربي، ليتحول الأمر ـ على أيدينا ـ إلى منافسات بين أنظمة على كسب الأضواء أو كسب النقاط في معاركنا الفلسطينية أو العربية.

إن محاولات كسر الحصار كانت ثمرة جهود طويلة لمناضلين فلسطينيين من مختلف الاتجاهات مع ناشطين سياسيين ومفكرين وأنصار لحقوق الإنسان في كل أنحاء العالم، وكانت جزءًا من عمل كبير لوضع القضية الفلسطينية بكل جوانبها السياسية والإنسانية أمام الرأي العام العالمي، وفضح الاحتلال الإسرائيلي وممارساته البشعة والمدانة في كل القوانين الدولية.

ولاشك في أن الهمجية التي تعاملت بها إسرائيل مع قافلة الحرية قد أعطت دفعة كبيرة لهذه الحركة التي تستهدف حشد تضامن العالم مع القضية الفلسطينية، وهو ما ينبغي الحفاظ عليه وتطويره، بعيداً عن الصراعات الفلسطينية الداخلية، أو التناقضات العربية، أو المحاولات الصغيرة لتحقيق مكاسب تافهة على حساب القضية الأساسية.

إن ما حدث بعد جريمة إسرائيل مع قافلة الحرية حيث اقتيدت السفينة التي قامت بالمحاولة الثانية إلى ميناء أشدود، ثم مع السفينة الثالثة التي أرسلتها ليبيا والتي رست ـ بعد مفاوضات مطولة ـ في ميناء العريش المصري، وكذلك ما يمكن أن يحدث في رحلات قادمة تم الإعلان أنه يتم التحضير لها، يضع أمامنا عدة محاذير ينبغي التعامل معها بحكمة ومسؤولية، حتى لا نضيع ما تحقق من مكاسب، وحتى نضمن أن نستمر نحن في حصار إسرائيل أمام العالم، وتنامي تضامن الرأي العام في كل أنحاء العالم مع قضيتنا العادلة.

إن علينا أن ندرك أن التضامن العالمي الذي يتجسد في مشاركة النشطاء الأجانب في هذه القوافل يأتي ـ في معظمه ـ انطلاقا من الجانب الإنساني للقضية، ومن رفض تجويع شعب بحصار ظالم تدينه كل الشرائح والقوانين الدولية، وهذا جانب مهم لكسب تضامن شعوب العالم معنا.

ولكنه ليس الجانب الوحيد ولا ينبغي أن يكون كذلك، فالقضية ـ أساساً ـ هي قضية تحرير الأرض واستقلال الوطن، وبالتالي فإن زيادة المساعدات أو السماح بمرور بعض البضائع الممنوعة سواء كانت من الحمص والمايونيز أو حتى الأسمنت والطوب، وهو أمر جيد ومطلوب، ولكنه ليس البديل عن إزالة الاحتلال الذي مازال يحكم غزة ويتحكم في مصيرها، كما يحكم الضفة والقدس العربية.

إن محاولات كسر الحصار الظالم على شعبنا العربي الفلسطيني في غزة، لا ينبغي ـ بأي حال من الأحوال أن تنتهي بالإقرار بحق إسرائيل في فرض هذا الحصار، وهو ما يمكن أن يحدث بتكرار الانصياع لتعليمات إسرائيل بهذا الشأن بدلاً من تحديها.

ولا أحد بالطبع يطلب الدخول في معارك غير متكافئة أو تقديم الشهداء بلا ثمن، ولكن الهدف لابد أن يكون واضحاً، وطريق تقديم المساعدات الإنسانية معروف، وطريق تحدي الحصار أيضاً معروف، إن القيمة الأساسية لمثل هذه القوافل تأتي من مشاركة النشطاء والمفكرين والمبدعين والسياسيين الأجانب ـ لكي يكونوا شهوداً على الجريمة الإسرائيلية ـ وليس من المفيد أن نحولها لسباقات عربية لن تحقق شيئاً له قيمة.

في كل الأحوال علينا أن نحترس من تسليط الأضواء فقط على محاولات كسر الحصار على غزة، بينما المخططات الإسرائيلية تمضي في طريقها لاستكمال الاستيلاء على القدس، ولتوسيع المستعمرات في الضفة، خاصة في ظل الانشقاق الفلسطيني، والسعي الإسرائيلي لتثبيت الانفصال بين غزة والضفة، وبعد تراجع الموقف الأميركي وابتلاع أوباما وإدارته لكل ما قالوه عن إيقاف الاستيطان.

نعم، محاولات كسر الحصار عن غزة لابد أن تستمر وبكافة الوسائل، ومأساة شعبنا المحاصر في القطاع ينبغي أن تكون ماثلة على الدوام أمام ضمير العالم، والدعوات لمقاطعة إسرائيل ومحاكمة قادتها كمجرمي حرب لابد أن تتوسع يوما بعد يوم، ولكن رؤيتنا ينبغي أن تكون واضحة أمام أنفسنا وأمام العالم، حتى لا يتعامل مع رفع الحصار على أنه مجرد قضية إنسانية يتم حلها بتوصيل المعونات، وحتى لا يتم التعامل مع غزة بعيداً عما يجري في القدس، وحتى لا تأخذنا الصراعات الصغيرة إلى ما يخدم العدو.

نعم، حصار غزة لابد أن يسقط، لكن القضية ينبغي أن تظل قضية احتلال ينبغي أن يرحل، وأرض ينبغي أن تعود، وقدس لابد أن يفك أسره، ووطن اسمه فلسطين ينتظر حقه المشروع في الحرية والاستقلال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البيان الإماراتية

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

فلسطين الهوية

لماذا الهجمة المركزة على الأونروا؟

يظنُّ البعض أنّ الادعاءات الإسرائيلية بضلوع 12 من موظفي الأونروا (من أصل 13000 موظف يعملون لديها في قطاع غزة وحدَه)...المزيد