الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أثر الاعتراف بيهودية الدولة على القضية الفلسطينية

أثر الاعتراف بيهودية الدولة على القضية الفلسطينية

أثر الاعتراف بيهودية الدولة على القضية الفلسطينية

مع انطلاقة المفاوضات المباشرة في كل من واشنطن وشرم الشيخ والقدس، ومع كل ما رافق تلك المفاوضات من رفض وانتقادات وتحذيرات -لدرجة أنه أطلق عليها اسم مفاوضات القدم اليسرى أو الرجل المقطوعة-، نجد أن أهم ما يميز هذه الجولة من المفاوضات، هو ما سبقها وصاحبها من تصريحات ومطالبات إسرائيلية متتالية ومن قبل جميع المسئولين الإسرائيليين حول ضرورة الحصول على موافقة - فلسطينية وعربية ودولية -على فكرة يهودية الدولة، ويرى كثير من المحللين أن هذه الفكرة هي الهدف الرئيس لجولة المفاوضات الحالية، الأمر الذي يعتبر محاولة إسرائيلية لكسب ليس فقط مشروعية التطهير العرقي والفصل الذي مارسته إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في السابق، بل الذهاب إلى أبعد من ذلك وهو تنفيذ ترحيل جماعي إضافي بحق ما تبقى من الفلسطينيين في أرض فلسطين.
وبالعودة قليلا إلى الوراء نجد أن فكرة يهودية الدولة هي فكرة قديمة جديدة، حيث ظهر هذا المصطلح في أدبيات المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد عام1897 في مدينة بازل، ويعتبر هرتسل هو المنظر الأول للفكرة في كتابه الشهير (الدولة اليهودية )،الذي يعتبر أول كتاب أدلج فكرة الدولة اليهودية وأعطاها الزخم الأدبي والمعنوي، واعتبرها الحل العملي لمشكلة اليهود في العالم، ومنذ ذلك الوقت أصبحت هذه الفكرة هي إحدى ركائز الفكر الصهيوني، وأخذ الخطاب السياسي الإسرائيلي يتمحور حولها، وبدأت تحتل مساحات واسعة في وسائل الإعلام وفي خطابات الساسة الصهاينة وفي المؤتمرات والمنتديات واللقاءات الدولية التي يعقدونها، وبغض النظر عن أن درجة هذه الفكرة وبعض مضامينها قد كانت مثار جدل بين تيارات معينة في الحركة الصهيونية، إلا أن الزخم الكبير الذي أعطي لها قد انطوى على أبعاد هامة وجوهرية لهذه الحركة، وبات يمثل جوهر ومضمون الغايات الأسمى والأهداف الكبرى "لدولة الاحتلال"، وتحولت مقولة الدولة اليهودية بصورة غير مسبوقة ولا معهودة إلى القاسم المشترك بين مختلف التيارات والكتل والأحزاب والاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية في "الكيان الصهيوني" على حد سواء، وبات الجميع هناك يتسابق لقذف حمم من التصريحات العنصرية ضد الأقلية العربية التي بقيت متمسكة بأرضها ووطنها وضد اللاجئين الفلسطينيين في المنافي القريبة والبعيدة، لما يشكلونه من حرج أخلاقي وتهديد قانوني سيبقى يلاحق (إسرائيل) ويشكل خطرا على وجودها واستقرارها.

وكون موضوع المطالبة بيهودية الدولة، بات حديث الساعة للساسة الصهاينة، وهو شرطهم الأساسي لاستمرار المفاوضات، نجد أن من الضروري التذكير بآثاره الخطيرة والمدمرة التي يمكن أن تترتب على القضية الفلسطينية بأبعادها السياسية والقانونية والعقائدية والوطنية والقومية، والمتمثلة في:

1- شطب ونسف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم ، ودفنه إلى الأبد بشهادة فلسطينية،‏ وتصفية وإزاحة الأساس القانوني لهذا الحق من أجندة الأمم المتحدة، ومنح دولة الاحتلال الفرصة للتنصل من القرارات الدولية الداعمة للحق الفلسطيني، فالاعتراف بيهودية الدولة يسبقه التنازل عن حق العودة، ومجرد قبول السلطة الوطنية الفلسطينية بمصطلح دولة يهودية أو سكوتها عنه يعني تنازلها عملياً عن هذا الحق، والتنازل عن الحق التاريخي للفلسطينيين في أرض فلسطين التاريخية.

2- طرد أبناء فلسطين من وطنهم بزعم الحفاظ على نقاء الدولة اليهودية، حيث سيصبح التعامل معهم على أنهم بقايا مرحلة انتقالية كانت إسرائيل فيها ناشئة في بحر من العداء وتريد أن تفرض وجودها فقبلت بهؤلاء الذين لم يتمكنوا من الاندماج في الدولة الجديدة وينفصلوا عن ماضيهم، وحان الوقت لترحيلهم إلى العالم العربي الأرحب، بمعنى أن إسرائيل ستصبح قانونيا هي دولة الشعب اليهودي، وعلى الفلسطينيين إما أن يقتنعوا بالفتات الممنوح ليس أكثر، وألا يطلبوا الاعتراف بهم كأقلية قومية، أو ستمتلك إسرائيل الحق بإلقائهم داخل حدود الدولة الفلسطينية والدول العربية، وهذا يعني نكبة جديدة تفوق نكبة الـ 48 بتداعياتها واتساعها.
-3
التسليم من قبل الفلسطينيين بأن كل المطالب الفلسطينية المعروفة بقضايا الوضع النهائي قد حسمت وخاصة اللاجئين والحدود والقدس.

-4
سيترتب على القبول بفكرة يهودية إسرائيل، أن إسرائيل ستعمل على جذب كل يهود العالم لدولتهم الدينية القومية، فالحركة الصهيونية وإسرائيل تعتبر أن اليهود في جهات الأرض الأربع بمثابة المادة البشرية لتحقيق أهدافها التوسعية من جهة، وركيزة لاستمرار المشروع الصهيوني برمته في المنطقة العربية من جهة أخرى، وبالتالي سيعطيها هذا الاعتراف الحق أن ترفض أي وجود غير يهودي لا ينتمي للديانة اليهودية، مما يعني إما التهجير القسري للمواطنين الأصليين أو التهويد لهم.
-5
سيؤدي ذلك إلى القبول بمبادلة الأراضي الفلسطينية التي تقوم عليها الكتل الاستيطانية الكبيرة بالتجمعات الفلسطينية الكبيرة داخل فلسطين المحتلة عام 48

6- التهيئة لحرب دينية طاحنة بين اليهود والمسلمين، كون جميع اليهود سيصبحون في نظر المسلمين مغتصبين لأرض فلسطين وليس فقط الصهاينة المستعمرين.

-7
ومن الناحية القانونية على المستوى الإقليمي فإن هذا الاعتراف، سوف يحتك حتماً بالأردن الذي تجدد إسرائيل الحديث عنه، أنه الوطن البديل للفلسطينيين، كما تحتك بمصر في سيناء التي لم تغفل عنها حتى في مخطط قيام الدولة الذي وضعه هرتزل، وفي مذكرات كل السياسيين الإسرائيليين.

ولعل الجديد في رفع وتعميم هذا الشعار، هو تصريح جورج ميتشل في شرم الشيخ والذي قال فيه " أن الهدف النهائي للمفاوضات هو الوصول لحل الدولتين – دولة للشعب الفلسطيني وأخرى للشعب اليهودي " وعلينا أن نضع ألف خط تحت كلمة الشعب اليهودي، وخطورة هذا التصريح وفي هذا الوقت، يعني أن الطرف الأمريكي يسعى للحصول على موافقة رسمية فلسطينية عليه، مما ينذر بنتائج سياسية كارثية ستترتب على القضية الفلسطينية -كما أسلفنا - وخاصة أن القضية الفلسطينية هي قضية صراع مرير وطويل على الأرض، مستندة إلى تاريخ طويل من العمل والكفاح والصبر والثبات، دفع خلالها الشعب الفلسطيني التضحيات الجسيمة، التي ليس من السهل التفريط فيها وإدارة الظهر لمن قدم وجاد في سبيل قضيته ووطنه، فما بالكم إذا كان التفريط من أصحاب الأرض والحق والقضية ؟. من كل ما سبق نرى أن على القيادة والشعب الفلسطيني أن يحذروا الفكرة، وأن يزداد رفضهم لها رسوخا في الوجدان والثقافة والتربية والكلمة والموقف، وعلى الشعب الفلسطيني وقيادته أن يدركوا أن قبول الفكرة سيكون على حساب قوميتهم الأصيلة وتجذرهم المتين وتاريخهم الطويل في أرض فلسطين، وأن يعي الفلسطينيون أن عودتهم إلى وطنهم وإنهاء حالة الشتات التي يعيشونها، مسألة وقت لا أكثر، وأن لا تشوش عليهم الأطروحات الحالية تمسكهم بثوابتهم، و أن لا يهتز احترامهم لموروثاتهم التي عليها عاشوا وفي ظلها صمدوا وصبروا، وأن يثقوا أن ما هو كائن ليس قدرا عليهم، وما على الفلسطينيين إلا الارتباط الوثيق بأصولهم التاريخية والحضارية والدينية والقومية، وعدم الانسلاخ عن هذا الإطار، لأنه مصدر قوتهم ومنعتهم، وأن تكون مواجهة الفكرة مواجهة واعية ومسئولة، فالشعب الفلسطيني في صراع مصيري وطويل، ولا يملك إلا أن يكون على أعلى درجة من الجدية والصدق ليستطيع حمل الأمانة وإيصالها إلى غايتها المرجوة، فالخطر العظيم الذي يتهدد القضية اليوم، حقيق بأن يدفع كل واحد أن يعمل من موقعه وهو موقن كل اليقين أن نصر شعبه بيده وهزيمته بيده.
وهذا يستلزم أن يتسلح الفلسطيني بمقومات الصمود النفسي والذهني والجسدي، وأن يفهم أبعاد الصراع فهما عميقا، لا فهما سطحيا قد يوهمه أنه غير قادر على تحمل عبء القضية وحده، فسلاحه عقيدة صحيحة راسخة، وقضية عادلة على جميع المستويات – إنسانيا وأخلاقيا وتاريخيا ودينيا-أما عدوه فمسلح بعقيدة مشوهة وديانة مزورة وتاريخ مزعوم ودعاية مضللة للحقائق التاريخية.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

مركز الإعلام الفلسطيني

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة