الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (الوحي) في القرآن

لفظ (الوحي) في القرآن

لفظ (الوحي) في القرآن

من الألفاظ القرآنية التي تحمل دلالات خاصة، لا نجدها إلا ضمن الخطاب القرآني، لفظ (الوحي)، وهو من الألفاظ المركزية في القرآن الكريم، فما المراد من هذا اللفظ لغة، وما هي الدلالات التي جاء عليها في القرآن الكريم؟

معنى الوحي لغة

جاء في معاجم العربية أن الجذر اللغوي (وحي) أصل يدل على إلقاء علم في إخفاء. قال الطبري: "أصل (الإيحاء)، إلقاء الموحي إلى الموحى إليه؛ وذلك قد يكون بكتاب، وإشارة، وإيماء، وبإلهام، وبرسالة". ولذلك قالوا: الوحي: الإشارة، والكتاب، والرسالة. وكل ما ألقيته إلى غيرك حتى علمه، فهو وحي كيف كان. وأوحى الله تعالى ووحى. قال الشاعر:

وحى لها القرار فاستقرت .. أي: ألقى لها...

قال ابن فارس: "وكل ما في باب الوحي فراجع إلى هذا الأصل. والوحي: السريع. والوحي: الصوت". وقال القرطبي: "الوحي إعلام في خفاء، يقال: وحى إليه بالكلام يحي وحياً، وأوحى يوحي إيحاء".

وقال الراغب الأصفهاني: "أصل الوحي: الإشارة السريعة، ولتضمن السرعة قيل: أمر وحي، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة".

وما ذكره أهل العربية بخصوص الأصل اللغوي للفظ (الوحي) يفيد أنه بمعنى (الإلقاء) بشيء، بغض النظر عن هذا الشيء الملقى.

معنى الوحي اصطلاحاً

ولفظ (الوحي) اصطلاحاً هو الكلام الذي يلقيه سبحانه على أنبيائه وأوليائه، وذلك إما برسول مشاهد، تُرى ذاته، ويُسمع كلامه، كتبليغ جبريل عليه السلام للنبي في صورة معينة؛ وإما بسماع كلام من غير معاينة، كسماع موسى كلام الله؛ وإما بإلقاء في الرُّوع، كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: (إن روح القدس نفث في رُوعي) رواه الحاكم في "المستدرك"، وإما بإلهام نحو قوله عز وجل: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} (القصص:7)، وإما بتسخير نحو قوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل} (النحل:68)، أو بمنام كما قال عليه الصلاة والسلام: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات)، قالوا: وما المبشرات؟ قال: (الرؤيا الصالحة) رواه البخاري.

قال الطبري: "وأما (الوحي)، فهو الواقع من الموحِي إلى الموحَى إليه؛ ولذلك سمت العرب الخط والكتاب (وحيا)؛ لأنه واقع فيما كتب ثابت فيه، كما قال كعب بن زهير:

أتى العجم والآفاق منه قصائد بقين بقاء الوحي في الحجر الأصم

يعني به: الكتاب الثابت في الحجر.

إحصاء لفظ (الوحي) في القرآن

ورد لفظ (الوحي) في القرآن الكريم في واحد وسبعين موضعاً، ورد في أربعين منها بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل} (النحل:68)، وورد بصيغة الاسم في واحد وثلاثين موضعاً، من ذلك قول الباري عز وجل: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} (طه:114).

دلالات لفظ (الوحي) في القرآن الكريم

ولفظ (الوحي) جاء في القرآن على عدة دلالات، وهي على النحو التالي:

- الوحي بمعنى الإرسال، من ذلك قوله سبحانه: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} (النساء:163)، قال الطبري: يعني جل ثناؤه: إنا أرسلنا إليك، يا محمد، بالنبوة كما أرسلنا إلى نوح، وإلى سائر الأنبياء.

- الوحي بمعنى الإلقاء، وهذا المعنى هو الأصل في معنى الوحي، وعلى هذا قوله سبحانه: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به} (الأنعام:12)، قال الطبري: أي: ألقي إلي بمجيء جبريل عليه السلام به إلي من عند الله عز وجل.

- الوحي بمعنى الإشارة، من ذلك قوله سبحانه: {فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا} (مريم:11)، قال مجاهد وغيره: أي: أشار. وفي رواية له: كتب لهم في الأرض، وهذا قول السدي في معنى الوحي هنا.

- الوحي بمعنى الإلهام، وهذا كثير، من ذلك قوله سبحانه: {وأوحى ربك إلى النحل} (النحل:68)، قال الطبري: ألقى ذلك إليها فألهمها. ومثله قوله عز وجل: {وإذ أوحيت إلى الحواريين} (المائدة:111)، قال ابن كثير: أي: ألهموا ذلك، فامتثلوا ما ألهموا. ومنه أيضاً قوله عز وجل: {وأوحينا إلى أم موسى} (القصص:7)، أي: ألهمناها.

- الوحي بمعنى الأمر، من ذلك قوله سبحانه: {بأن ربك أوحى لها} (الزلالة:5)، قال مجاهد: أي: أمرها. وقال القرظي: أمرها أن تنشق عنهم. وهناك من قال: أمرها، أي: أذن لها.

- الوحي بمعنى الإعلام في المنام، من ذلك قوله سبحانه: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا} (الشورى:51)، قال البغوي: يوحي إليه في المنام أو بالإلهام. وقال مجاهد: قال مجاهد: ينفث في قلبه فيكون إلهاماً.

- الوحي بمعنى الوسوسة، من ذلك قوله سبحانه: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} (الأنعام:121)، قال الطبري: يلقون إليهم ذلك وسوسة. ونظيره قوله عز وجل: {يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} (الأنعام:112)، قال القرطبي: عبارة عما يوسوس به شياطين الجن إلى شياطين الإنس. وسمي وحياً؛ لأنه إنما يكون خفية. وقال البغوي: أراد أن الشياطين ليوسوسون إلى أوليائهم من المشركين؛ ليجادلوكم.

والمتأمل في المعاني التي جاء عليها لفظ (الوحي) في القرآن الكريم، يجد أنها ترجع إلى معنى (الإلقاء)، وهو المعنى اللغوي لهذا اللفظ؛ وهذا الإلقاء قد يكون عن طريق الإشارة، أو العبارة، أو الإلهام، أو الوسوسة، أو الرؤيا المنامية.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة