الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإعلام.. عندما يضلل!!

الإعلام.. عندما يضلل!!

الإعلام.. عندما يضلل!!

الإعلام ووسائله قديم قدم الإنسانية نفسها ، استخدمه الإنسان في مراحل مبكرة ليوصل رسالة إلى الآخرين، فهو وسيلة اتصالية من الدرجة الأولى، فكان يستخدمها قديماً الشعراء والخطباء والكهان والقادة العسكريون والزعماء، بل استخدمها الأنبياء والرسل (صلوات الله وسلامه عليهم) لتوصيل الرسالة الإلهية إلى البشر، ولا يخفى علينا أن رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ملوك وأمراء الإمبراطوريات والدول المجاورة للجزيرة العربية كانت وسيلة إعلامية من الدرجة الأولى، لكن هذه الوسيلة كان غايتها الإصلاح والتنوير وتوصيل الرسالة إلى آفاق أبعد.. فهل هذه هي غاية الإعلام العربي والمصري حالياً في الوقت الراهن؟!!

وربما يقول قائل إن الشعراء وهم إعلاميو الزمن الماضي قبل ظهور الصحف والقنوات والإذاعات، كانوا يمدحون شخصاً بقصيدة، ثم يعودون لذم هذا الشخص بقصيدة أخرى، وعلى الرغم من ذلك ما زلنا ندرس أدبهم وقصائدهم التي مدحوا أو التي ذموا بها نفس الأشخاص، ونقول إن فعل الشعراء يذم على المستوى الأخلاقي، لكنه نتاج أدبي نتعامل فيه مع نصوص فنية فيها من البلاغة والبيان والصور والمفردات التي تسهم في تنمية أذواقنا الأدبية وملكاتنا الفنية، ولكن إعلاميين هذا الزمان ليسوا كذلك..

إعلاميو هذا الزمان أعطوا لأنفسهم الحق في أن يكونوا الخصم والحكم والجلاد، إعلاميو هذا الزمان حكموا على النوايا مثلما حكموا على الأفعال، وساووا بين الخبر والإشاعة، وساووا بين الحيادية والحدية، وساووا بين الاتجاه والتوجيه، ولم يفرقوا بين الربح والتربح، ولا بين النقد والإيذاء، ولا بين الرصد والترصد..

وقد يقول قائل: وهل مطلوب من الإعلام أن يكون بوقاً يردد صوت اتجاه واحد؟
فنقول له: لا، على الإعلام أن يكون صدى لكل الأصوات، وأن يحترم كل التوجهات، وأن يعبر عن كل التطلعات، وأن يطرح كل الإشكاليات..

وقد يقول نفس القائل: وهل مطلوب من الإعلام أن يخسر مادياً ولا يحقق أي ربح؟ فنقول له: لا، مطلوب له أن يربح لكن ليس على جسد الوطن وأشلاء المجتمع..

وقد يقول نفس القائل أيضاً: وهل مطلوب من الإعلام أن لا يعارض أو ينتقد، وأن يبقى صامتاً لا يتكلم عن الأخطاء والعيوب والمشكلات؟ فنقول له: لا، بل عليه أن يعارض وان ينتقد وأن يرصد، لكن عليه أن يراعي آداب الاختلاف وقيم النقد، عليه أن يرصد لا أن يترصد، عليه أن يرقب المحاسن والمساوي، ويبث الأمل، وينفخ في روح الوطنية، وينادي بإعلاء قيم العمل والإنتاج..

ولننظر معاً إلى إعلامنا المصري الراهن (الكثير من القنوات والكثير من الصحف والمجلات) ونحاول بكل هدوووووء أن نراقب أداء أكثر هذه الوسائل، ونسأل أنفسنا هل رأينا منذ شهور برنامجاً يتحدث بإيجابية عن مشاريع نهضة أو تحديث أو تطوير يبعث الأمل في النفوس؟ هل رأينا برنامجاً يجعلك تستيقظ في الصباح وأنت مقبل على عملك تحاول أن تنتج وأن تبتكر؟ هل رأينا برنامجاً يعتذر عن نشره أو إذاعته لبعض الأخبار الكاذبة التي تناولها في حلقة من الحلقات؟

إن هناك برامج بل قنوات لم يعد لها وظيفة أو مهمة أو هدف سوى بث الكآبة في نفوس الناس، والتشكيك في كل ما حولنا، وتحويل الإيجابي إلى سلبي، والسلبي إلى أداة فتنة واقتتال وصراع، وكأنه لزام على هذه القنوات أو البرامج أن تفتش على مواضع الخلاف، وأنها يجب أن تجاري الحدث ولكن من وجهة نظرها لا من مختلف الوجهات..

ولنطبق ذلك عملياً على ما يخض الدكتور محمد المرسي رئيس الجمهورية، ويجب علينا هنا للتنويه أن أؤكد أنني لست من الإخوان وإن كان ذلك ليس تهمة أو عيبا أريد أن أتبرأ منه، فذلك واقع، وأؤكد أنني لم أنتخب الدكتور المرسي في الجولة الأولى ولم أذهب إلى صناديق الاقتراع في الجولة الثانية، ولكنني مؤمن بشرعية الرئيس، وبنتائج التجربة الديموقراطية التي جاءت بالرئيس المنتخب، ومؤمن بأنه لابد من أن نعطي الرجل فرصة كاملة غير منقوصة بصلاحيات كاملة غير منقوصة ليطبق مشروعه، حتى نحكم عليه أو له الحكم الموضوعي الذي سيحاسبنا عليه التاريخ..

لكن الواقع أن الكثير من وسائل الإعلام لأسباب كثيرة لا داعي للخوض فيها قد نسيت أن مهمتها الرصد وليس الترصد كما ، وأخذ تعد على الرجل ، وتسأل لماذا قال كذا ولم يقل كذا، ولماذا ذهب إلى هنا ولم يذهب إلى هناك، ولماذا قابل فلاناً ولم يقابل فلاناً.. لنكتشف أننا كنا نريد رئيساً يناسب كل شخص في مصر، وكأن العملية الانتخابية كان من المفترض أن تنتج لنا 85 مليون رئيس أو أكثر مصمماً على هوى وفكر واتجاه كل شخص..

لقد فهم بعض الإعلاميين أن الديموقراطية هو أن يعارض من أجل المعارضة، وأن يهين شخص الرئيس ليتصف بالبطولة، وأن يذكر العيوب والسلبيات حتى لا يوصف بالنفاق، إضافة إلى أغراض شخصية أخرى نعرفها جميعاً لدى كثير من الإعلاميين المصريين في الوقت الراهن..

كل هذه العوامل جعلت الإعلام يعبث لا بالعملية الديموقراطية ولكن بمستقبل الوطن، ويستهين لا بشخصية الرئيس بل بهيبة المجتمع..

وهنا نقول للإعلاميين أو أكثرهم حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا الرئيس، واكشفوا عيوبكم وتطهروا منها قبل أن تكشفوا عيوب الآخرين، وكأننا نقول قولة عيسى عليه السلام (من لم يكن بلا خطيئة فليرمها بحجر).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي عبد الجليل علي (رئيس المركز العربي للدراسات والتدريب الإعلامي)

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة