الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أكذوبة الحياد الإعلامي

أكذوبة الحياد الإعلامي

أكذوبة الحياد الإعلامي

مصطلح الحياد في تصوُّري ?و أكذوبة، وليس له وجود لدى الغربيين الذين يستخدمونه فقط لكي يخيفونا وي?زمونا نفسياً وفكرياً في كل شيء عبر الترويج لمصطلحات ?م أبعد الناس عن استخدام?ا أو الالتزام ب?ا، وعادة ما تكون مصطلحات كبيرة في ألفاظ?ا لكن?ا خالية من أي مضمون أو معان فعلية، ومن?ا الحياد الإعلامي. وقد شغلني ?ذا الأمر وناقشته مع كثير من الإعلاميين الغربيين الذين التقيت ب?م فلم أجد لدى أيٍّ من?م قناعة على الإطلاق بما يسمى بالحياد.

وفي ندوة داخلية عُقدت في قناة الجزيرة، وحَضَر?ا كثيرٌ من المراسلين ومدراء المكاتب الخارجية وحضرتُ جانباً من?ا، وجدتُ بعض الزملاء يناقشون ?ذا الأمر في إحدى الجلسات، وانتقد بعض من?م و?ذا حقُّ?م تغطيتي لمعركة الفلوجة، ووجَّ?وا لي التُّ?م التي وج??ا لي الأمريكيون والتي تتلخص بأني لم أكن محيداً في تغطيتي للمعركة.

وكانوا يعتقدون أن ?ذا ات?امٌ لي، ومع ترحيبي الواسع بالنَّقد الذي يوجِّ?ه لي كل الزملاء وغير?م فقد وقفتُ للرد علي?م، ففاجأت?م جميعاً وأذ?لت?م حينما قلت ل?م بشكل واضح: (أنا لست محيداً… ولن أكون.. أنا لست محيداً.. ولكني منحاز.. أنا منحاز دائماً للحقيقة وإلى صاحب الحق وإلى الضعيف، وإلى المعتدى عليه، وإلى القيم الإنسانية التي تقوم على العدل والمساواة).

أنا منحاز دائماً ضدَّ الحروب وعمليات القتل للمدنيين، والنساء، والأطفال، وجرائم الحرب التي يرتكب?ا المعتدون ضد الإنسان في أي مكان في العالم.

أنا منحاز دائماً إلى ديني وعروبتي وثقافتي و?ويتي.. لن أتخلى عن?ا في أي موقف م?ما كانت الات?امات التي تُوَجَُّه لي، وحينما يتخلى الصحفي الأمريكي أو البريطاني أوالألماني أو الياباني أو الروسي عن الانحياز إلى دينه وثقافته و?ويته وقوميته وأمته فليأتوا وليتحدثوا معنا عن الحياد.

?ل كان الألف ومئتا صحفي الذين دخلوا العراق على ظ?ور الدبابات الأمريكية أثناء غزو العراق واحتلاله في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) 2003 محيدين؟ و?ل المراسلون الأمريكيون الذين يبثون تقارير?م و?م يتحركون مع القوات الأمريكية التي تمارس جرائم الحرب في العراق محيدون؟

إن?م ليسوا محيدين في أدائ?م، ولكن?م جميعاً منحازون، ويعملون من أجل أمت?م، وثقافت?م، و?ويت?م، ودين?م، ومؤسسات?م، و?م يفخرون بذلك، فلماذا لانكون أكثر فخراً من?م بما نقوم به؟

إن المن?زمين من الإعلاميين العربِ الذين ضاعَت ?ويتُ?ُم لأن كثيراً من?م أصبح وَلاؤه للدولة الغربية، أو الشرقية التي يقيم في?ا، أو الَّتي منحته جنسيت?ا، أو للمؤسَّسة الغربية التي يعمل ب?ا، أو لمن يدفع له مقابل شراء ولائه لا قيمة ل?م، بعدما تخلَّوا عن كل شيء، ثم يأتون إلينا ويتحدثون عن الحياد.

إنني أقول بكل ثقة ويقين: لا يوجد في الإعلام شيء اسمه حياد، وإنما توجد حقيقة يجب أن نسعى جميعاً لإظ?ار?ا، وحق يجب أن ننحاز جميعاً إليه، وموضوعية يجب أن نتحلى جميعاً ب?ا، و?ذه ?ي م?مة الإعلامي الأساسية في الحياة، أما الحياد ف?و أكذوبة وأؤكد مرة أخرى لكم أني لن أكون محيداً على الإطلاق، ولكني سأبقي منحازاً لما أعتقد أنه الحق والصواب .

ما إن أن?يت كلمتي حتى ضجت القاعة بالتصفيق الحاد من الجميع عدا بعض الذين كانوا يتشدقون بالحياد، ويرددون مقولات الأمريكيين، ثم جاء كثير من الزملاء وحيوني بعد انت?اء الجلسة وقالوا: (كلنا نريد أن نقول مثل ?ذا الكلام، وقد عبَّرت بكلماتك عن كثيرين).

وقد دفعني ?ذا الموقف إلى أن أطرح سؤالاً سيظل يتردد و?و : لماذا لا يملك الناس الجرأة، والشجاعة دائماً لكي يج?روا بما يؤمنون به؟

ــــــــــــــــــــــــ

من كتاب "معركة الفلوجة" لأحمد منصور

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة